في تقريرٍ مطوَّل نشرته مؤخراً؛ ركزت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية على جدية ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، في التعامل مع التحديات داخلياً وخارجياً. بلال صعب، الكاتب في المجلة والباحث المختص في شؤون الشرق الأوسط، التقى مع مجموعةٍ من زملائه، وليَّ ولي العهد لبضع ساعاتٍ في الرياض. الأمير محمد بن سلمان كان الأصغر سناً في غرفة المقابلة، وتحدث بثقةٍ كبيرة عن قضايا عدَّة كمستقبل العلاقات مع الولاياتالمتحدة ومسؤولية إيران عن العلل الرئيسة في المنطقة، بحسب ما أوضحت المجلة التي سلَّطت الضوء على خططه الإصلاحية اقتصادياً واجتماعياً وعلاقته القوية بالشباب السعودي. المضي قُدُماً بحسم وعملية من الملامح الرئيسة في تعامل ولي ولي العهد مع التحديات. تقول «فورين أفيرز» إن قيادته للقضايا وطريقة حكمه عليها، خلال المقابلة الصحفية، كانت صلبةً ومتماسكة؛ وإن لغة جسده تعكس قدراً كبيراً من الثقة رغم صِغر سنه. إنه يتمتع بالكاريزما ويتبنى قضايا بلاده بشكلٍ قوي وغير مسبوق. وتعتبر المجلة أن من الصعب «ألا نقدِّر استعداد الأمير محمد بن سلمان، صاحب ال 31 عاماً، لتحمل المسؤولية تجاه المشاكل الأصعب في بلاده في هذه المرحلة المبكرة من حياته السياسية». و»عبر قيادة عملية تغيير شامل؛ يضع الأمير محمد بن سلمان كل شئ في مساره. وسواءً كان دافعه الطموح أم حسن النوايا؛ فإن الأهم أنه يمضي قدُماً بحسم وعملية». وتضمنت إجراءاته المبكرة إصلاح الدعم، وإيجاد موارد مالية جديدة، والاستثمار في أصول رئيسة، والدفع في اتجاه ثقافة الكفاءة والمساءلة في بيروقراطيةٍ غير منتجة بشكل ملاحَظ، إلى جانب إيجاد دور أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد. ومن منظورٍ أوسع؛ ترى المجلة أن الملفات الهائلة، التي يعمل عليها ولي ولي العهد، تعني منحه الصلاحيات اللازمة لقيادة الإصلاحات الصعبة. وهو معني بالشؤون الاقتصادية وقطاع النفط وصندوق الاستثمارات العامة ووزارة الدفاع العملاقة. وبالنسبة لمؤيدي أفكاره؛ فإنه منقذ للمملكة ويحظى بالإشادة، في مقابل انتقادات. و«هذه التباينات متوقعة عندما يحاول ممثل التغيير تنفيذ إصلاحات»، بحسب ما أوردت المجلة. وفقاً ل «فورين أفيرز»؛ فإن لدى ولي ولي العهد أفكاراً سليمة عن زيادة فاعلية القطاع الدفاعي وبناء قدرات صناعية دفاعية في البلاد، ومن ذلك تطوير سياسة إنتاجٍ دفاعي وإنشاء بنية تحتية مؤسسية أكثر تبسيطاً، وكل هذه بدايات ممتازة. إلا أن المجلة الأمريكية أطلقت أحكاماً لا تبدو واقعية بشأن النزاع بين الشرعية والانقلابيين في اليمن. فهي تقول إن الحرب أخفقت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، فيما الواقع يناقض ذلك إلى حدٍ بعيد، فالشرعية المدعومة من التحالف العربي بقيادة المملكة تحرز تقدماً ميدانياً وسياسياً بدليل اقترابها من صنعاء وثباتها في تعز بعد تحريرها معظم الجنوب، أما الانقلابيون (الحوثيون والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح) المدعومون من النظام الإيراني فأصبحوا معزولين في العاصمة اليمنية وبعض المناطق الأخرى، وفشلوا في انتزاع اعترافٍ عالمي بمشروعهم، وإذا كانت الأوضاع الإنسانية كارثية في اليمن؛ فإن ذلك يعود إلى إضعاف الانقلابيين مؤسسات الدولة وتعنتهم بشأن الحل السياسي. تشير «فورين أفيرز» إلى أن ولي العهد، الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، يعملان بشكل وثيق ويلتقيان بشكل يومي تقريباً، فالملفات التي يتوليانها تكمل بعضها البعض. في الواقع؛ لا مجال للتداخل أو المنافسة، بحسب تعبير المجلة، ف «ولي العهد يتولى ملفات الأمن الداخلي الذي يتضمن مكافحة الإرهابيين والحفاظ على القانون في المحافظات والبلديات العديدة في المملكة». أما «ولي ولي العهد فيتولى مهام إصلاح الاقتصاد وتعزيز الدفاع الوطني». تلاحظ المجلة الأمريكية أن الأمير محمد بن سلمان يتحرك بسرعة كبيرة لاسيما في الشؤون الاقتصادية والثقافية. وتعتقد أن هذا يثير بعض المخاوف، لكنها تستدرك بالقول إن المخاطر تعكس ضخامة التحديات الاقتصادية والاجتماعية في المملكة. وتتابع: «هناك أيضاً إجماع قوي وحاسم داخل الحكومة السعودية حول عدم استدامة النظام الاقتصادي الحالي في البلاد. وتدرك الرياض أنه كان ينبغي عليها أن تصل إلى هذه النتيجة قبل 10- 15 عاماً مثل معظم دول الخليج الأخرى المنتجة للنفط. لكن أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً». وتعتبر المجلة أنه رغم طرح أسئلةٍ؛ فإنه لا ينبغي تفويت النظر إلى الفرص الفريدة الكامنة في الإصلاحات التي يقودها ولي ولي العهد. ولعل الأهم في هذه الفرص، بحسبه المجلة، أن الأمير محمد بن سلمان يتمتع بقدر كبير من الاتصال بالشباب السعودي المفعم بالأمل ويتحدث باسمهم. ففي بلدٍ أكثر من نصف سكانه تحت 25 عاماً؛ يعد ذلك أمراً مهماً. وبسبب صغر سنه وقضائه حياته كلها داخل المملكة وفهمه العميق لتطلعات أبناء جيله؛ فإن الأمير محمد بن سلمان في وضعٍ يتيح له الاستفادة من طاقات الشباب واستغلال مهاراتهم لأجل تعزيز خطة الإصلاح. وهو، كما تستطرد «فورين أفيرز»، يحمل التزاماً حقيقياً تجاه الكفاءة والجدارة، ويوظِّف أفضل وألمع الطاقات. أما من لا يرقى أداؤهم إلى المستوى فإنه يطلب منهم المغادرة أو التقاعد المبكر. تنقل «فورين أفيرز» عن ولي ولي العهد أن نسبة ضئيلة جداً من المحافظين متشددون إلى درجة عدم إمكانية التفاهم معهم، أما أكثر من النصف فيمكن تغييرهم عبر الحوار. وهو يرى أن جهود الإصلاح ستنجح في جذب عديد من بين صفوف المحافظين. وتضيف المجلة أنه ضرب مثالاً بالشيخ سعد بن ناصر الشثري، الذي أقيل في عام 2009 من هيئة كبار العلماء لوقوفه أمام إصلاحات، وهو الآن مستشارٌ في الديوان الملكي وأحد مؤيدي أفكار ولي ولي العهد، نتيجة التعامل الهادئ معه، ما أتى بنتائج أكيدة وإن كانت بطيئة. تقول المجلة إن ولي ولي العهد استفاد من تجارب سابقة، ولديه استراتيجية للتعامل مع المشايخ الذين يرغبون في الحفاظ على الوضع الراهن؛ تعتمد على الانخراط معهم والتغيير منهم عبر مبادئ مبنية على القرآن والتعاليم المستقاة من حياة النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- وصحابته. في الوقت الذي يتولى فيه ولي ولي العهد عملية إعادة بناء الاقتصاد؛ فإنه يتعامل مع سياسات توسع محموم في المنطقة من جانب النظام الإيراني، إضافةً إلى جوار يزداد عنفاً. وبصفته المسؤول الدفاعي الأول؛ فإن بصماته حاضرة في السياسة الخارجية السعودية في الوقت الراهن والمستقبل. ورؤيته قائمة على التقدم في العمل. وقد بدأت الملامح تتشكل. وفيما يجب ألا يشكل صدمةً لأحد في واشنطن؛ يحمل الأمير محمد بن سلمان نفس رؤية بلاده التي تحمِّل النظام الإيراني المسؤولية عن العلل الثلاث الرئيسة في المنطقة: الأيديولوجيات العابرة للحدود، عدم استقرار الدول، والإرهاب. والمشكلة، بحسب تأكيد ولي ولي العهد، ليست في إيران ذاتها، لكنها في النظام الراديكالي الذي وُلِدَ من رحِم ثورة الخميني عام 1979. ورداً على سؤالٍ حول ما إذا كانت الرياض تنظر في فتح قناة اتصال مباشرة مع طهران بحثاً عن أرضية مشتركة؛ أكد الأمير محمد بن سلمان أنه لا يمكن الوصول إلى نقاط مشتركة مع بلد ملتزم بتصدير أيديولوجيته الإقصائية والانخراط في الإرهاب وانتهاك سيادة الدول الأخرى «إذا لم تقدم إيران على تغيير نهجها؛ فإن المملكة سوف تخسر إذا أقدمت على التعاون معها». وعلى الرغم من منظوره الإقليمي المتمحور حول إيران؛ فإنه ليس غافلاً عن انتشار الخطر الذي يشكله تنظيما «داعش» و»القاعدة» الإرهابيَّين. ومع قلقه العميق من تأثير «داعش» في سورياوالعراق؛ فإنه يرى أن بالإمكان حصار التنظيم وهزيمته في نهاية المطاف بالنظر إلى وجود دول قوية في المنطقة مثل المملكة ومصر والأردن وتركيا. ولأن «داعش» يحاول أيضاً الانتشار في إفريقيا والتسبب في كثيرٍ من الضرر؛ تلتزم المملكة، بناءً على توصيةٍ من ولي ولي العهد، بمحاربة التطرف العنيف في القارة، من خلال الشراكة مع المنظمات الدولية بما في ذلك منظمة الأممالمتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومؤسسة «بيل وميليندا غيتس». التطرف في الداخل يعدُّ أيضاً مصدر قلقٍ كبير. لم يكن ولي ولي العهد قد تجاوز ال 20 من عمره عندما أوعز الزعيم السابق لتنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن لأتباعه بشن هجمات عنيفة داخل المملكة بعد أن دخلت الولاياتالمتحدةالعراق. قال الأمير محمد بن سلمان إنه يتذكر بوضوح هذه الحقبة المظلمة ويفهم لماذا سعى الإرهابيون للسيطرة على المدن المقدسة لدى المسلمين والنفط. آنذاك؛ وقعت مواجهات بين أجهزة مكافحة الإرهاب السعودية والإرهابيين في عديدٍ من المدن والمراكز الحضرية، منها العاصمة الرياضوجدة والخبر ومكة والطائف وينبع. في النهاية؛ فشلت محاولات تنظيم القاعدة بعد أن تم سحقه على يد رجال «محمد بن نايف». والمملكة شريك رئيس في الحرب على الإرهاب الذي يستهدفها. فيما يتعلق بالربط بين الوهابية والإرهاب؛ يشعر الأمير محمد بن سلمان بالاندهاش بسبب سوء الفهم العميق لدى الأمريكيين تجاه هذا الأمر. وقد قال ل «فورين أفيرز» إن التشدد لا علاقة له بالوهابية التي نشأت في القرن ال 18، متسائلاً «إذا كانت الوهابية نشأت منذ 3 قرون فلماذا لم يظهر الإرهاب إلا الآن؟». تقول «فورين أفيرز» إن الأمير محمد بن سلمان محقٌ بشأن تأكيده أن العلاقات الأمريكية- السعودية لم تتحسن منذ أحداث 11 سبتمبر 2001. وبدا جليَّاً أن إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، باراك أوباما، لم تساعد على مدى السنوات ال8 الماضية على تحسن العلاقات. ومن وجهة نظر المجلة؛ فإنه لا يوجد أفضل من الأمير محمد بن سلمان لقيادة مهمة الانخراط في العمل مع الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي في عمليةٍ «يجب أن تبدأ اليوم» حتى لو كانت ستستغرق سنوات. وكتبت المجلة أن الأمير محمد يعد على درجة عالية من المهارة في التواصل ويقدِّر قيمة الشراكة بين بلاده والولاياتالمتحدة، ولا يرى مشكلةً في التعبير عن أهمية القيادة الأمريكية للعالم. لكن لديه مخاوف من تداعيات لا مبالاة واشنطن «إذا لم تقُد، فإن هناك شخص آخر سيحتل مكانك. ليس بالضرورة أن يكون هذا الشخص أفضل منك». وعلى عكس معظم المسؤولين العرب الآخرين الذين لديهم حساسية خصوصاً من المحاضرات الأمريكية عن الديمقراطية أو التدخل في الشؤون الداخلية لبلدانهم؛ فإن الأمير محمد بن سلمان يحث واشنطن على انتقاد المملكة بشكل بنّاء. بالنسبة لقانون «جاستا» الأمريكي الذي أُقِرَّ قبل أشهر؛ أوضح ولي ولي العهد أن لديه ثقة قد لا تكون مبررة في قدرة المسؤولين والمشرِّعين الأمريكيين على التوصل إلى حل عقلاني لهذا القانون. ومع وصول دونالد ترامب، رجل الأعمال، إلى البيت الأبيض؛ يؤكد الأمير محمد بن سلمان أنه سيركز على الاستفادة من الفرص الاقتصادية الرئيسة في «رؤية المملكة 2030» لإشراك الولاياتالمتحدة في خطة التحول السعودية. لكنه ذكر أيضاً أنه يود استئناف الحوار الاستراتيجي بين البلدين، الذي توقف خلال سنوات أوباما لأسباب لاتزال غير واضحة. وكتبت «فورين أفيرز»: ربما يكون ترامب على استعدادٍ لمثل هذا الحوار، على الرغم من أنه صرح أنه «يتوقع المزيد» من شركاء أمريكا بخصوص الإسهامات الأمنية. تعتقد «فورين أفيرز» أن ولي ولي العهد يواجه، في رحلته من أجل الإصلاح، تحدياتٍ كبيرة (الاستراتيجية وقدرة الدولة والنظام المالي والحرب والفوضى الإقليمية)؛ وأن التحدي الأكبر يكمن في قدرته على تسويق خطته الإصلاحية لنوعين من الجماهير وحشد الدعم لها. بحسب تقدير المجلة؛ فإن الجمهور الأول هو السعودي، ومعظمه ينفر من المخاطر ويتخوف من التغيير، وهو ما يتطلب التعامل مع التناقض الهائل بين سرعة الإصلاحات الرائدة والطبيعة المحافظة للمجتمع، أما الجمهور الثاني فهو الولاياتالمتحدة، إذ أن «دورها في هذا المشروع الإحيائي لا غنى عنه» بالنظر إلى قدرتها التي لا مثيل لها على توفير المعرفة التقنية والأمن المادي وقدرة الدولة والاستثمار. وتختتم «فورين أفيرز» تقريرها المطول عن المقابلة مع ولي ولي العهد بالقول إنه حقق وفق عديدٍ من المعايير ذات المصداقية؛ بدايةً قوية «لكن إصلاحاته سوف تتطلب، من بين جملة أمور، الصبر والتواضع». وبحسب تعبيرها؛ فإن «المسيرة نحو التغيير الحقيقي في المملكة ليست اختيارية» و»الأمير محمد بن سلمان مايسترو لكن الموسيقى ينبغي أن تؤدى من الأوركسترا السعودي بأكمله».