تحدثت في أربع مقالات، عن ملابسات غزو العراق واحتلاله، على يد المحافظين الجدد، بناء على شهادة ضابط الاستخبارات الأمريكي، جون نيكسون، في كتابه الجديد: "التحقيق مع صدام حسين"، وخلاصة ما كتبنا هو أن نيكسون يعتقد أن المخابرات الأمريكية تحولت من جهاز مهني مستقل، ورفيع، إلى أداة بيوقراطية مسيسة، يتحكم بتقاريرها مزاج الرئيس القابع في البيت الأبيض، كما خلصنا إلى أن نيكسون يؤكد أن غزو العراق، والإطاحة بصدام حسين، كان خطأ فادحاً، ويستدل على ذلك بوضع العراق الراهن، حيث تحكمه عصابات تابعة لإيران، وتعتبر هذه العصابات محركاً رئيسياً لحالة الفوضى والإرهاب، الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، وغني عن القول إن شهادة نيكسون هي رؤية أمريكية عامة، يقول بها معظم الساسة والمعلقين السياسيين في أمريكا، ووصلت درجة تنصل معظم الساسة، الذين أيدوا غزو العراق في 2003، من موقفهم ذاك، واعترافهم بخطأهم، وقد رأينا في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، كيف أن دعم غزو العراق، من قبل هيلاري كلينتون، عضو مجلس الشيوخ حينها، كان نقطة ضعفها التي هاجمها ترمب بسببها، ولم تتوقف هيلاري يوما، طوال حملتها الانتخابية، عن إعلان ندمها على التصويت لغزو العراق! ولكن مهلا أعزائي، فهل كان غزو العراق، وتدميره، ومن ثم اعتقال صدام، واعدامه، أمر بهذه البساطة، أي أن بوش الابن رغب في غزو العراق، والإطاحة بصدام حسين، لأن صدام، حاول اغتيال والده، كما قال بوش ذات يوم، ثم تماهت وكالة الاستخبارات المركزية مع رغبة الرئيس بوش الابن، والمحافظين الجدد، كما يقول الضابط جون نيكسون؟! أم أن الأمر أعمق وأشد تعقيدا من ذلك؟! عندما نعود بالذاكرة لتلك الأيام الخوالي، المليئة بالأحداث الغريبة، والتفاصيل المربكة، بدءا من ترشح، ومن ثم فوز بوش الابن بالرئاسة عام 2000، مرورا بأحداث سبتمبر عام 2001، ثم ما أعقب ذلك (ضرب أفغانستان وغزو واحتلال العراق)، يحق لنا أن نطرح تساؤلاتنا، ونترك الأمر لفطنة القارئ الحصيف، خصوصا في ظل الوثائق التي نشرت، أو سربت، وشهادات ساسة، وعسكريين كبار، منذ ذلك الحين وحتى اليوم. كيف ترشح بوش الابن للرئاسة، وهو صاحب السيرة الشخصية والسياسية التي قال هو نفسه، إنه لا يتشرف بها؟!، لدرجة أن والدته، باربرا بوش، كانت أشد استغرابا من المواطن الأمريكي، حيال ترشح ابنها للرئاسة، وشككت بإمكانية فوزه؟! وجدير بالذكر أنه فاز بالرئاسة عن طريق المحكمة العليا، وهذا يحدث لأول وآخر مرة في التاريخ السياسي لأمريكا، ثم لماذا اختار بوش الابن السيد ديك تشيني نائبا له؟! وتشيني هو وزير الدفاع، في إدارة بوش الأب (أيام ضرب العراق بعد احتلاله للكويت)، ثم من الذي أعاد اليميني المتطرف، دونالد رامسفيلد، للخدمة، كوزير للدفاع في إدارة بوش الابن؟! ورامسفيلد هو المهندس الحقيقي لغزو واحتلال العراق؟! ثم لماذا الإصرار على ضرب العراق، رغم علم الجميع أنه لا علاقة له بالقاعدة، فصدام حسين هو أشرس خصومها، وخصوم ابن لادن؟! ورغم وقوف العالم كله تقريبا ضد الغزو، ورغم رفض مجلس الأمن التصويت على ضرب العراق، وهذه الأسئلة وغيرها الكثير، تجعلنا نعتقد بأن ملابسات وأسباب غزو واحتلال العراق كانت أكثر تعقيدا مما طرحه نيكسون في كتابه، وهذا ما سنتناوله مستقبلا!