الإنسان حينما يهم بالكتابة عن راحلٍ عزيز كثير المواهب متعدد المناقب الحميدة، فإن قلمه يحتار كيف يجري..، كأمثال الشيخ زميل الدراسة بالمعهد العلمي وكلية اللغة العربية بالرياض الأديب المؤرِّخ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد، الذي أرقلت به يد المنون مسرعة مساء يوم الاثنين 27-3-1438ه، ليضطجع في مساكن الراحلين بمقابر محافظة الدرعية، مهوى رأسه، وميدان مرحه ومسرح صباه..، مع لِدَّاته ورفاق دربه، وكانت إطلالته على الدنيا عام 1347ه في الدرعية، ثم بدأ دراسته في إحدى مدارس الكتّاب لتعلُّم القراءة والكتابة وحفظ ما تيسّر من القرآن الكريم. بعد ذلك انضمّ إلى حلق العلم في مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم بحي دخنة لتلقي مبادئ في العلم لدى فضيلة الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم، وعلى سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وعلى فضيلة قاضي محكمة الرياض الشيخ إبراهيم بن سليمان الراشد. ثم شخص إلى الطائف مع مجموعة من الزملاء.. فالتحق بدار التوحيد، ومكث هناك فترة من الزمن..، وعند افتتاح المعهد العلمي بالرياض عام 1371ه، عاد إلى الرياض مواصلاً دراسته في المعهد العلمي وفي كلية اللغة العربية حتى نال الشهادة العالية بها، وبالشريعة انتساباً في نفس عام 1377ه، وهذا يدل على علو همته وطموحاته للأفضل، أما فوجنا فهو يليهم عام 1378ه. وظلت ذكرياته الجميلة في ربوع الطائف أثناء دراسته بدار التوحيد عالقة في طوايا نفسه لأن أجواء الدراسة هناك أجواء نشاط، وتآلف بين الزملاء: وبعد تخرجه من كلية اللغة العربية - كما أسلفنا آنفاً - عُيِّن مديراً لمعهد الإحساء العلمي عام 1381ه، ثم تولى بعد ذلك منصب مدير إدارة الكتب والمقررات المدرسية، كما تولى عدداً من المناصب المشرفة في كثير من المواقع المختلفة، وقد تطرق إلى ذلك عدد من الكتّاب والأدباء الأفاضل قبلي..، وله باع طويل في الكتابة عبر الصحافة والمجلات، كما رأس تحرير مجلة الدعوة، وأنشأ مجلة الشبل للأطفال التي لاقت قبولاً ورواجاً في المحيط الأسري لأنها تلُامِس مشاعر الوالدين ، لما تحتضنهُ من أساليب تربوية تُسهل دخولها في أذهان الأطفال مبكراً: فهو رجل ذو خلق كريم رحب الصدر، وأنيس للجليس محبوباً في مجتمعه ، ومع زملائه وجيرانه، ومن كانت هذه من صفاته استعذب الناس ذكره وألِفوه..، وكثيراً ما يحضر المنتديات، والصوالين الأدبية، ومجالس العلماء ووجهاء المجتمع، مع قضاء جل وقته في تسريح نظره في بطون الكتب الأدبية وكتب التاريخ والسير، مما كوّن لديه مخزوناً ثقافياً ثراً من المعارف عموماً، مما قوى ملكة التعبير البليغ لديه في المحافل، النثرية والشعرية معاً، فهو كاتب وشاعر مُجيد ، ودائرة معارف في كل شيء، وخاصة في التاريخ، وكأنّ الشاعر العربي قد أوحى إليه بمعنى هذين البيتين: وقد حصل على جائزة الملك سلمان بن عبد العزيز لدراسات تاريخ الجزيرة العربية في دورتها الثانية ، كما كُرّم ونال وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى بمناسبة مرور مئة عام على توحيد المملكة ، وعمل مستشاراً في دارة الملك عبد العزيز، فمكانته عالية لدى الأسرة الحاكمة المباركة ، ومحبوب في مجتمعه ، وبين زملائه وجيرانه، وقد منحه المولى حسن الخلق وحلو المنطق وكمال المروءة مما جعل النفوس تميل إليه حباً واحتراماً: - رحمه الله - فكله إخلاص ووفاء مع أحبته ورفاق دربه، يرثي ويؤبن من اخترمته يد المنون، ومن أولئك تأبينه لزميلنا الأستاذ الشاعر عبد العزيز بن عبد الله الرويس، والشيخ حمد الحقيل وعدد من محبيه بقصائد مؤثره، ولنا معه بعض الذكريات الجميلة أثناء الدراسة، وكان يدعونا إلى منزل والده الواقع في حي الوسيطاء المجاور لحي دخنه ويقوم بإكرامنا، وقد طُبع على البشاشة وسماحة المحيا وإيناس جلسائه ببعض المداعبات والقصص الجميلة، ولئن غاب عنا أبو إبراهيم وعن أُسرته ومحبيه، فإنّ ذكره الجميل سيبقى خالداً في طوايا النفس مدى العمر: تغمده المولى بواسع رحمته وألهم أهله وأبناءه وبناته وعقيلته، وجميع أُسرته ومحبيه الصبر والسلوان. عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء