إن أسوأ الإدارات تلك التي يدفعها الجمهور دفعًا، ويسوقها سوقًا للقيام بواجبها، ومباشرة أعمالها، فهي تكون بذلك مثل «النائم في العسل»، الجمهور يقوم بدور الموجه والرقيب. لجنة الانضباط في الاتحاد السعودي لكرة القدم خير مثال. جملة من الأحداث والحالات الخارجة عن الانضباط شهدتها الجولات السابقة، وكانت مثار جدل ولغط في الوسط الرياضي، واللجنة لم تحرك ساكنًا لضبطها، وإصدار العقوبات الانضباطية المستحقة حيالها، وإن حدث وباشرت بعض الحالات فإن القرار يصدر بعد ولادة متعسرة، كما حدث في حالة الانفلات والشغب الذي وقع بين لاعبي الأهلي والنصر في نهائي كأس الناشئين؛ ما يعرضها للانتقاد، وتهم الانتقائية، والتساهل مع المشاغبين، بما يتيح لهم الاستفادة من أخطائهم، أو التمادي. الانتقائية تاريخيًّا، تهمة «الانتقائية» هي التهمة الأكثر ثباتًا في مطاردة اللجنة؛ وذلك لأنها تفتح عينًا تجاه حالات، وتغمض أخرى عن حالات متشابهة؛ ما يوقعها في فخ التباين والانحياز. تتبدل الإدارات، وتبقى التهمة ثابتة. نذكّر هنا بحالة «خنق» لاعب النصر خالد الغامدي لزميله لاعب الاتحاد فهد المولد التي تجاهلتها اللجنة تمامًا، بينما عاقبت اللاعب الاتحادي مونتاري في حالة متطابقة! إذًا، فأسلوب التعاطي مع الأحداث يكاد لا يتغير، في حين يطالب الجمهور بتدخلات قانونية حاسمة وعادلة في حالات مثيرة للجدل، ومسببة للاحتقان الجماهيري؛ تستوجب عقوبات انضباطية بعيدًا عن العقوبات الروتينية التي تتباهى بتصديرها اللجنة بين الفينة والأخرى بسبب حصول لاعبي أحد الفرق على ستة إنذارات أو ما يزيد، أو حالات التأخر في النزول إلى الملعب، وعدم الوجود في منطقة «الإنتر فيو ميكس زون»، والعقوبات الصادرة بناء على تقارير الحكام والمراقبين. فالتعاطي مع شكاوى إدارات الأندية تجاه بعض مسؤولي اللجان يتم التفاعل معه بلا مبالاة. «مثال: شكوى رئيس الهلال ضد رئيس لجنة الحكام»، وكذلك الحال بالنسبة للحالات التي تقع خلف أعين الحكام في المباريات، وفي أروقة الملاعب والأندية، ومن ردات فعل الجماهير.. وعلى هذا ندلل بالآتي: اللقطات العديدة التي تُظهر رئيس النصر يتحدث بانفعال مع الحكام. حالات رمي الفوارغ من الجماهير الاتحادية التي حدثت مرتين أمام الشباب، ثم الفتح، والتي اعترف بها رئيس الاتحاد، ولام بسببها جماهيره في تصريح إذاعي له. الضرب المتعمد من مهاجم النصر حسن الراهب لمدافع الباطن الذي تحايل به الأول على حكم المباراة، وربح من ورائه ركلة جزاء. الضرب والإيذاء الذي تعرض له لاعب الهلال ميليسي من مدافع النصر برونو. تداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، يُظهر تهجم مجموعة من جمهور الاتحاد على مراقب مباراة فريقهم أمام الفتح. حالة لاعب الأهلي حسين المقهوي مع لاعب التعاون. ثمة تصريحات متلفزة، تستوجب التوقف عندها من قبل اللجنة بفتح التحقيق للتأكد من مضمون اتهامات قائلها، أو معاقبته إن كانت اتهامات لمجرد الإساءة، ولعل آخرها ما تحدث به قائد الفتح حمدان الحمدان عقب مباراة فريقه والاتحاد بخصوص حكم المباراة ومساعده. التنظيمات يسجل المتابع العديد من التجاوزات الجماهيرية التي تقع خلال المباريات التي تقام على ملعب «الجوهرة المشعة» بجدة، خاصة من جانب جمهور الاتحاد، وأبرزها رمي الفوارغ والأحذية - أعزكم الله - تجاه لاعبي ومدربي الخصم، وزاد الأمر إلى حد نزول بعض الجماهير لأرض الملعب، وإصابة البعض. مثل هذه التجاوزات تعكس خللاً في النواحي التنظيمية، والترتيبات الأمنية، وقلة وعي، وأدنى درجات المسؤولية من الجمهور وروابط المشجعين، وتتطلب عقوبات رادعة لمنع تكرارها، وجلسات توعوية وتثقيفية للجماهير وروابط المشجعين، خاصة مع اقتراب مدرجات المشجعين لأرضية الملعب واللاعبين ومقاعد البدلاء للوقاية من حدوثها، أو تكرارها. اللقطات، ومقاطع الفيديو التي انتشرت على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي لسلوكيات الجماهير الاتحادية ضد لاعبي ومدرب الفتح والحكام ومراقب المباراة، تمثل صورًا سلبية، وقد تُسجَّل سلبيًّا ضد المسائل التنظيمية للمباريات في ملعب «الجوهرة المشعة» قبل جمهور وإدارة نادي الاتحاد، خاصة أن هذه التجاوزات وقعت في مباراة دورية غير جماهيرية، أو مصيرية، فكيف سيكون عليه الحال عند المواجهات الملتهبة لفرق الصدارة؟ المبادرة في رصد الحالات الانضباطية، والتصدي لها بالعقوبات، وسرعة التعامل معها دون تمييز أو تعطيل، مطالب رئيسة لتقديم عمل نوعي مختلف عن الروتين والتمييع أو الانتقائية، وهي الصفات التي تلتصق في ذهنية المتلقي عن عمل لجنة الانضباط.