سبقت وتزامنت مع قمة مجلس التعاون الخليجي التي استضافتها العاصمة البحرينية المنامة، جولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله -. تلك الزيارات رغم طابعها الرسمي، إلاّ أنها جسّت النبض الشعبي الخليجي أجمع، لتترجم حقيقة كان دائماً ما يقولها العارفون بواقع وتشابكات وعرى دوله، إذ إنّ هذا المجلس لم يصمد ويبقى رغم ما أصاب بعض دوله من خلافات، إلاّ بسبب أنّ وجوده يقين راسخ في ضمير شعوب دوله قبل القادة. قمة المنامة، جاءت في سياق دلالة زمانية ومكانية خاصة، فالمنطقة تنوء بأثقال من تحديات الأمن والاستقرار، بسبب تحالفات إقليمية ودولية غير بريئة بين إيران وعدد من القوى، أما المكان فإنها المنامة، حيث العاصمة الخليجية التي كسرت ظهر الحلم الإيراني بالتغلغل في الخليج، وقد كان ذلك جلياً في كلمات القادة للقمة من رفض كامل للتدخل الإيراني في منطقة الخليج والتركيز على أهمية أمن المنطقة. إعلان الصخير، وهو ما توّجت به قمة الخليج العربي ال37 في المنامة جاء تأكيداً على الاستمرار في العمل الخليجي المشترك، وفيما يبدو للمتابع هذا التأكيد روتينياً، إلاّ أنّ كنه حقيقته تعكس بقاء الروح المتقدة له كآخر مؤسسات التكتل العربي الباقية على قيد الحياة، وهو الرهان الذي كسبه المجلس في أشد مراحل الاضطرابات سخونة في المنطقة. التأكيد على العمل المشترك، جاء للمزيد من التكامل والتعاون، لتعزيز وتقوية المنظومة الدفاعية التي باتت حجر الزاوية في جدار الأمن الخليجي، لكن الأمن في دول مجلس التعاون رغم أولويته في هذه المرحلة لا يلغي ويؤجّل المسار التنموي الذي هو أيضاً أهم معزِّزات الأمن، حيث أكد القادة على تسريع وتيرة العمل لتحقيق السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي، وكذلك الربط المائي. الملك سلمان اليوم وإخوته قادة دول المجلس، أمام تحدٍّ تاريخي في تبنِّي سياسة موحَّدة تجاه المخاطر والتحديات؛ لأنّ الخليج الآن هو القوة الوحيدة التي لا تزال متماسكة بين منظومات التكتلات التي انهارت عند أول اختبار. وقد بدأ المجلس استشعار الفراغ الإستراتيجي الذي أصاب السياسة الأمريكية في المنطقة، فاتجه إلى توسيع دائرة الشراكة مع العالم، حتى بات في كل قمة خليجية ومنذ ثلاث سنوات تقريباً، يستضيف شريكاً دولياً إستراتيجياً، كان فرانسوا هولاند الرئيس الفرنسي في القمة السابقة، وماريا تريزا رئيسة وزراء بريطانيا في القمة الحالية. أخيراً، ورغم كل المخاطر والتحديات التي تحيط بدول الخليج العربي، فإنّ إرادة القادة والشعوب باتت تقرأ ضرورة الاتحاد وتوحيد الصفوف، حتى أصبح مصطلح الاتحاد الخليجي دارجاً في خطاب كل خليجي وخليجية، وهذا الأمل الذي انتشر وعلا صوته، لا بد أن نقطف يوماًً ثماره فلعلها تكون قريباً!