يُحكى في سالف الأزمان أن الشعر ديوان العرب.. سِلمٌ به على من سالمهم حرب به على من ابتدأهم ..به يعدون وإليه يَلذون ومنه يألبون ويألمون.. وإذا نبغ فيهم شاعر تهافتوا وأقاموا مأتما يُدعى لمائدته الجفلى والنقرى .. لأن شعره صوت سيؤول إلى إعلام داخلي متحدثا لهم ويمتد خارجهم ليكون متحدثا عنهم.. وبعض مآلات الشعراء اليوم لا تدري حين يُغادروننا هل نؤبنهم أم نأثم بالاحتفاء المتأخر بهم.. وكأننا لا ندرك شعرهم إلا بعد فوات روحهم وخلود نصوصهم.. وما ضر التفاتة مشهدنا الثقافي لمصافحة نصوصهم وهم أحياء.. وحتام ننتظر حتفهم لنحتفي! ومع تقادم الأيام وتقارب الوسائل واحتدام الوسائط جنّ ليل الشعر على كل من هبّ ودبّ.. فطفق -البعض- ممن يروم لمجد مُؤثّل وعائد مؤمل إلى باحة الشعر هاذيا بحسب ما يملي عليه شيطان الغوى.. وبما تسول له نفسه الأمّارة بالشعر وبما يوسوس له الحافون من حوله فتأخذه العزة بالشهرة الآثمة فيُزجي في بضاعته المتردية والنطيحة وما أكل السبع من نصوص لاغيّة فيصدّرها إلى المطبعة ويصنفها شعرا عدلا منه لا جورا لمن فسح له في محكمة الذوق الرفيع القائم على المادة لا الجودة .. فيُدعى بوصفه شاعرا في محفل ما يتحلّقه الداني وربما يخطو إليه القاصي ولو حبوا .. فيصفق له الجمهور اللفيف ربما مجاملة لما يَسمع منه.. أو ربما الجمهور لا يفهم ما يقوله الشاعر له على رأي أبي تمام.. فيخفض المتلقي طرفه وتغطفُ أجفانه ونفسه تتوانى عن تصفيق القصيدة .. ! وفي محفل آخر تُدعى شاعرة عظيمة - بحسب مصادر رفيعة المستوى- للحديث عن تجربتها الشعرية -لا انفعالتها الاجتماعية والنفسية- وآلية هذيانها الأثير الذي تحسب أنه من الشعر في شيء جرّاء الهالة الإعلامية من الأعلام للاسم قبل النص.. وإذا اقتربت استماعًا ألفيت القصيد عجاف يوسف.. وإذا صُفق لها خلت أن الكواكب تهاوت طربًا لا اضطرابًا !! ثم تهوي بنا تظاهرة ثقافية أخرى بما تسر وتسوء في معارض الكتب وما شابه.. فتُنصب لهم منصات لم ترفع إلا حذاؤهم ليُوقعوا ويُوقِعوا ! السؤال القلق: من فسح لهؤلاء اللاغية أذواقهم بالعَروض والعُروض ؟ ومَن للمنابر التي تئن من وعثاء سِفرهم .. من للمنابر التي لا تتكلم إلا رمزا ولا يُدرك الرمز إلا الرمز وقليل ماهُم.. وما بعد الجمر إلا الرماد ! ثمّ من يؤثث النثر ليكون قصيدًا .. وثمّ من يكسر البيت ليزاوج بين من تقدم وتأخر .. في ظل غياب – أو ندرة- الفحل الشاعر .. والكاتب الناثر ..والناقد الثائر.. والناشر الحذر ! والسؤال الملحاح: أليس منكم ناقد/رجل رشيد ؟! زُين لهؤلاء الثلة من الشعراء زنيم أعمالهم فضلوا وأضلوا.. غير أن زبدهم في ثبور وقولهم في تبار..وأما الذين يكتبون الشعر – كما ينبغي لجلاله- فسيمكث في الذاكرة الثقافية والوجدانية حتى وإن نكرهم البعض أو ظلوا في غيابة جبهم.. سيأتي من يطلب المعين إذا غار! سؤال بريء: سأنشر ديوانًا شعريا (فارغا).. فمن تقترحون ليُقدم له ؟! هذا السؤال لا ينكأ إلا نفسه .. وقد يتوب السؤال عن طلب الإجابة لكنه لا يعرف إلا اللمم!! وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح! .. استووا: الشعر وطن.. والنثر حدوده.. والمسافة بينهما عنادل بوح وصنادل دوح ! .. وأسدل الستار: العرب تُعرّض وتُعرِض عن اللغو .. والعاقلون إذا مروا به مروا كراما .. !