تطالعنا في هذا الحقل الدلالي جملة من أسماء الطعام وأوصافه، في دلالة على أن العربي يتذوق الشعر كما يتذوق الطعام. وفي هذا السياق نجد من الشواهد قول ربيعة بن حذار الأسدي للزبرقان بن بدر: «وأما أنت يا زبرقان فكأنك رجل أتى جزوراً قد نُحرت، فأخذ من أطايبها وخلطه بغير ذلك»، وقال له أيضاً: «أما أنت فشعرك كلحم أُسخِن لا هو أُنضج فأُكل، ولا تُرك نيئاً فيُنتفع به»، وجاء في عيون الأخبار أنه «سمع أعرابيٌّ رجلاً يُنشِد شعراً لنفسه، فقال: كيف ترى؟ قال: سُكّر لا حلاوةَ له». إن المعجم أحد عناصر الرسالة الأولى التي تتغيّر تبعاً للتغير الحضاري، حتى ولو لم يظهر ذلك التغير ظهوراً واضحاً، ولئن ظهر لنا في النقد الذي لم يتأثر بالبيئة المتحضرة ألفاظ للطعام من قبيل (لحم جزور، أُنضِج، أُكِل، نيء، ...)؛ فإننا نجد عند ابن المعتز -وهو الذي عاش مرفّهاً- ألفاظاً من قبيل (الشهد، والماء العذب، والماء الزلال). ومن الشواهد أيضاً أنه «سمع أبو الحارث جُمين مغنية تغني: أشارت بمِدْراها وقالت لأختِها أهذا المُغيريُّ الذي كان يُذكَرُ؟ فقال جمين: امرأته طالق إن كانت أشارت إليه بمدراها إلا لتفقأ بها عينه، هلّا أشارت إليه بنقانق مطرَّف بالخردل، أو سنبوسجة مغموسة في الخل، أو لوزينجةٍ شَرِقة بالدهن! فإن ذلك أنفع له، وأطيب لنفسه، وأدل على مودة صاحبته»، و«المِدْرَى والمِدْرَاة شيء يُعمَل من حديد أو خشب على شكل سنٍّ من أسنان المشط وأطول منه، يُسرَّح به الشَّعر المتلبّد، ويستعمله من لم يكن له مشط»، وهو بالطبع أمر لا يناسب موقف الغزل، ولكن اللافت للنظر أن الناقد لم ينعَ عليه اختياره لهذه الأداة فحسب، بل اقترح أن تكون الإشارة بطعام، وقد تخير الناقد من أصناف الطعام ما يلائم رقة هذا الموقف، من نقائق، أو سنبوسجة، أو لوزينج، ولم يتخير لحم جزور مثلاً.