(1) ربما انحازت نقطةٌ من ضعفكَ إليك، وربما انحزتَ أنتَ إلى قوىً لا تقيم الوزن بالتنقيط ولا تنتهي مسافاتها بالحواجز ولا الجسور. كأنّ النقاط تخيّرك في نفسك، لا تحيّرك، وكأنك تبدو فوق عادتك حيث الخيارات تتوزع أمامك بالتساوي (على اختلاف الأمد):كم خطوة ستهدي لهذا الدرب حتى يحتويك، وكم هذا العمر سيمنحنا معاً من الخطوات؟ (2) كانت الرحلة قاسية على كل عين تلاحق الغيم، فلم يعد ثمة ماء ينزل إلى شفة الظمآن، حتى وإن كان في معيّة الظلال. فليخفت هذا الضوء قليلاً حتى تكون العتمة أفصح، ويكون البوح بمنأى عن الهذيان: بوركتَ يا أيها القلبُ الحزين وبوركَ هذا الزمان. فكم من عباءة لم تجد جسداً يليق بها وكم من جثة لم تجد متسعاً في غير أروقة المرايا. بوركتَ يا أيها الصابرُ على نفسكَ، صبرَ من اعتاد التأمّل ماسياً في المشي ناسياً نفسه داخل نفسه حتى الضحى. (3) هناك ميعادٌ آخر لكل فائتٍ، وهناك أوساطٌ لكل حال. وعلى أي حال، فهذه المسارات لك ولغيرك، وهذا غيركَ ليس لك. فلماذا أنتَ لغيركَ دائماً وتسير؟ جرّب حظوظكَ مرّة أخرى وقلّبها جيداً، لعلّك تنهل من كفّك ما يتفتّق عن هذه الأرض فتحظى بدوّامةٍ تأخذ الأبعد إليك وترفعك إلى حيث تلاقي كلَّ مكان، ومن ثمّ تفتش عن قرب. (4) لا تفسّر الرّوحَ بغير الرّوحِ، وإن تشبَّهتْ بالريح وطار المكتوبُ عنها وتفشّى في الغبار. فالنار الأولى تبقى دائماً في أوج ذاكرة الرماد، وإن توالت الحرائق في قلب الساكن والمتغطّي بأحزانه، ربما، أو بوهم السعادات. فالأشياء تتراكم وتتفرّق، وإن تكاثرت منافيها وتناهى شكٌّ في مفردة (الخلود) أين المحطة؟ لا تلقِ الشباكَ في هامش الموج وأنتَ على موعدٍ مع متون صفحاته. (5) على مائدة اليوم الخامس فرصة للتذوّق، فلتتراجع قبل أن يلتهمك اشتهاؤك للتقدّم داخلاً فتلتهم الباب ولا تستطيع الخروج. كن قريباً من التخلّي عن الذين تحبّهم، فلقد تخلّى عنكَ أجملُهم وما زلتَ المحبَّ. ما زلتَ المضحّي بكل أنانية وأنت تدعو إلى البذل وتدّعيه. (6) فلتسافر وحدكَ إذاً.. لا أحد يهون على مكانه، وإن هان مكانه عليه. وأنت راضٍ، ما دمتَ، بأن تكون المختلف في حضوركَ والمختلف في الغياب. فلتسافر وحدك إذاً.. (7) يا أنتَ: في وقت الرّهان يعجبكَ أن تخسر الباقي، وتبقى دائماً في انتظار خسارةٍ أخرى. يعزّيك منكَ أنّ ثمة حماقات، بعد، لم ترتكبها... وأنت تشاهد الدنيا تتقلّب عقولاً، فتحاول أن تعتدل جنوناً، بنصف دائرةٍ.. لن تحتمل إغلاقها عليكَ كاملة؛ لأنك ستعود... ستعود تحمل قلبكَ المأخوذ بالدنيا وترحل في بلاد الله تبحثُ عن مساحة ضائعٍ قد ضمّها ذكرى لهجرتهِ الشقيّةِ، ثم تنسى أنك الملاّح والجاني بإشفاقٍ على كلّ البحار إذا اقتربتَ من الشواطئِ. أنتَ من يختار، لا تسهبْ كثيراً في اختبار حقيقةٍ نجحتْ طويلاً في التغيّبِ؛ وامتثلْ لإشارةٍ من إصبعك. * صياغة مغيّرة لشيءٍ من (نصف الكتابة). [email protected]