اتصل بي أحد القراء الكرام مبدياً إعجابه في مقالي الأسبوع الماضي حول «أهمية حماية البيئة»، وتطرق الحديث معه لشؤون أخرى ذات علاقة منها بيئة العمل المؤسسي في المملكة سواءً كانت في القطاع العام أو الخاص، فقلت له «إن القصور في العناية ببيئتنا المحيطة يماثله قصور في العناية ببيئة العمل المؤسسي، في الغالب ناتج عن نفس الأسباب»، تعجب من ذلك وأراد الاستزادة، فقلت لها «سترى ذلك في المقال القادم». فبيئة العمل المؤسسي بصورة عامة في المملكة نمت خلال عقود من الزمن، منذ بداية تنظيم العمل الحكومي، أي في بدايات بناء الدولة حيث كان ذلك بجهود المستشارين وموظفي الدولة الأوائل والذين تأثروا بموروث بيروقراطية الدولة العثمانية والمصرية، ولم يكن ذلك بمعزل عن التأثر بالبيئة الاجتماعية ومنظومة القيم السائدة في المجتمع السعودي، لذا نتج خلال تلك الفترة التي امتدت إلى ما نعاصر الآن بيئة عمل مؤسسي حكومي لها سمات، لازالت تمثل عامل قصور في الأداء، صحيح أن ابتعاث كثير من موظفي الدولة للدراسة في بلدان غربية وكذلك توظيف خريجين جدد من تلك البعثات وإنشاء معهد الإدارة العامة، غير كثيراً من سمات بيئة العمل الحكومي، ولكن ذلك لم يؤثر كثيرا في السمات الأساسية المتمثلة في ضعف التفويض في الصلاحيات، تشتت المسؤوليات، الاعتماد المفرط على السرية، المحاباة في التعيين والتوظيف. بيئة العمل في القطاع الخاص تأثرت كثيراً من بيئة العمل الحكومي واكتسبت معظم سماته مع استثناء لشركة (أرامكو) حيث كانت تمثل بيئة عمل خاصة لها سمات مختلفة، وكذلك استفادت بيئة العمل الخاص من الإبتعاث الحكومي واستقطبت كثيرا من خريجي الابتعاث، وتعرضت لتغيير أساسي عندما فتح استقدام الوافدين للعمل من بلدان مختلفة في بداية سبعينات القرن الماضي، وخصوصاً عندما تم تعيين بعض منهم في مناصب قيادية إدارية، بحيث أصبحت لغة العمل المسيطرة هي اللغة الانجليزية و لازالت كذلك في معظم المؤسسات الكبيرة في المملكة، وهذا التغيير الأساسي في بيئة العمل خلق وضع غير مستقر فاكتسبت بيئة العمل الخاص مع مرور الزمن سمات جديدة تمثلت في الاعتماد المفرط على الخبرة المستقدمة، الميل لخفض التكاليف دون الاهتمام برفع الكفاءة، ضعف الالتزام بنظم العمل وحقوق العاملين، التنازع الخفي بين الأفراد والمجموعات العرقية. تشترك بيئة العمل الحكومي وبيئة العمل الخاص بثلاث سمات أساسية ومؤثرة تأثيرا مباشرا في جودة الأداء العام للمؤسسة وهي سمات سلبية و مرهقة للطاقات الكامنة في المؤسسة، وهذه السمات الثلاث لها علاقة مباشرة بضعف التأهيل القيادي لدى القيادات التنفيذية في المؤسسات الحكومية والخاصة، وفي الخاصة هناك ضعف في الفكر الاستثماري المؤسسي لدى الملاك، وخصوصاً الممثلين في مجلس الإدارة حيث الميل لتعظيم العوائد بخفض النفقات قدر الإمكان والحذر المفرط في الاستثمار المؤسسي، هذه السمات الثلاث هي: 1 - صعوبة توحيد الرؤية والأهداف بين أعضاء الإدارة العليا. 2 - ضعف هيكلي في علاقات العمل والثقة وخصوصاً بين الرئيس والمرؤوس. 3- ضعف في بناء الكفايات القيادية والفنية. كل واحدة من هذه السمات بحاجة لمقال مستقل لإبرازها ونقاش مسبباتها وكيفية العمل على تلافي آثارها السلبية، وكيفية معالجتها لتصحيح المسار المؤسسي، وهذه السمات لها علاقة مباشرة في البنية الذهنية للمجتمع السعودي بمختلف أطيافه ومكوناته، لذا لن يكون بمقدور خبير أجنبي أو مستشار غير ملم بتلك الذهنية وتركيبة المجتمع السعودي أن يفكك تلك المؤثرات، أو يضع حلولا ناجعة تعالج الصعوبات مهما كانت (الشركة الاستشارية) التي ينتمي لها، فمثل هذا العمل يحتاج خبرة ودراية وطنية.