انطلق برنامج التحوُّل الوطني في بداية هذا العام بما يزيد على 450 مبادرة، تهدف لرفع كفاءة أداء الوزارات والأجهزة الحكومية التي لها مساس مباشر بالمواطن؛ وذلك بهدف تحسين الخدمات التي تقدمها تلك الأجهزة له. وشمل برنامج التحول الوطني مبادرات لتقليل الهدر في المال العام من خلال تحسين الاستفادة من مشاريع الدولة التنموية، وتطبيق معايير صارمة، تحد من تأخر المشاريع أو الفشل في تنفيذها، ولكن هل تلك المبادرات بحد ذاتها كافيه لتحقيق أهداف التحول الوطني؟ أي هل سيطل علينا العام (2020م) وقد أصبحت الحكومة الإلكترونية تحقق معظم ما يستدعي المواطن مراجعة الدوائر والمؤسسات الحكومية؟ وهل سنرى حينها المواطن وقد رسخت ثقته بالمستشفى الحكومي والمدرسة الحكومية والنقل العام، وأصبح أقل اعتمادًا على البدائل التي يوفرها القطاع الخاص؟ أنا شخصيًّا أتمنى ذلك، وأميل للتفاؤل في رجائه، بالنظر لجانب يتضح فيه الاهتمام والدعم من القيادة والالتزام والحماس من الوزراء والمسؤولين ذوي الاختصاص، ولكن في الجانب الآخر حيث خبرتي ومعرفتي بطبيعة التحول في بيئات العمل أجد أن التحدي سيكون كبيرًا؛ وذلك لوجود حقائق عدة، يمثل كل منها عائقًا بحد ذاته. أكبر هذه العوائق هو المؤثر الثقافي الاجتماعي في بيئة العمل؛ فمعظم موظفي الدولة هم مواطنون، لهم خلفيات ثقافية وبيئية متنوعة، تمثل تلك الخلفيات أنماطًا ذهنية، تسيّر سلوكيات وتصرفات الأفراد والجماعات على نحو لا يخدم فاعلية الأداء المؤسسي في كثير من التمظهرات، بل قد تكون حالة تصادم مع عملية تحسين الأداء. من هذه الأنماط الذهنية - على سبيل المثال لا الحصر - (الشفاعة) و(الحمية) و(التواكل) و(المعذورية).. كل هذه الأنماط الذهنية بحاجة لمعالجة من خلال برامج توعوية وتدريبية، تتزامن مع تنفيذ برنامج التحول الوطني؛ وذلك لتقليل أثرها السلبي على الأداء المؤسسي العام. العائق الثاني أهمية والمؤثر بصورة سلبية هو ضعف التأهيل التخصصي في مكونات الإدارة العامة لدى كثير من شاغلي الوظائف المتوسطة والإشرافية في المؤسسات الحكومية بصورة عامة؛ فالتخصص في الإدارة المالية الحكومية أو المشتريات والعقود الحكومية أو الجودة النوعية أو إدارة المخزون والموجودات ما زال في خانة الندرة، فضلاً عن التخصصات الأخرى كإدارة المشاريع وإدارة المرافق العامة وبرامج إدارة الموارد الحكومية المعروفة ب (GRP)، وعلاقات المستفيدين. هذا الضعف في التأهيل التخصصي ما لم يتم تداركه ببرامج تدريبية مكثفة وموجَّهة سيجعل عملية تطبيق المبادرات عملاً جهيدًا ومستهلكًا للطاقة والمال، كما أنه سيكون مبررًا لكثير من مقاومة التغيير الذي يتطلبه التحوُّل الوطني. العائق الثالث والجدير بالاهتمام هو الموروث البيروقراطي المتمثل في صورة لوائح وتعليمات وقرارات وزارية وسوابق إجرائية.. وما لم يعالَج هذا الموروث البيروقراطي سيكون مستندًا جاهزًا ونظاميًّا لإعاقة أي إجراء غير مستحب من كثير من البيروقراطيين الذين يجدون في البيروقراطية سلطة وسطوة؛ لذا يجب أن يزامن عملية التحول الوطني برنامج شامل لمواجهة مقاومة التغيير. التحول الوطني برنامج رائد وشجاع لهيكلة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطن؛ لتكون سريعة ووافية ومفيدة ومعقولة التكلفة، ولكن هذا البرنامج بقدر ما يحتاج لدعم قيادي حاضر وناجز هو بحاجة لعزم وحزم في تخطي العوائق الاجتماعية على وجه الخصوص، وصرامة وإصرار في التطبيق، وشمولية في عملية التغيير. نسأل الله التوفيق والسداد، وأن يديم لهذه البلاد عزها ونموها وسؤددها.