أحياناً كثيرة نصادف أشخاصا لا نعرفهم ولكننا ومن أول لقاء ندرك أن هناك خيطاً عتيقاً في ذاكرتنا يربطنا بهم وأن ملامحهم وأصواتهم لها نصيب من أيام مرت علينا وعشناها ولكننا نجهل أين ومتى ؟!. نتحدث إليهم بلغتنا او حتى بلغتهم التي نتقنها ومن خلال حوارنا معهم ندرك أنهم في لوحنا المحفوظ قدر يجب أن نلتقيه لتمضي الأيام بنا وبهم إلى حيث إكتمال خبرة ومسيرة حياة . لغة التواصل بين البشر محسوسة ومسموعة، ندركها ونفهم معانيها ونصل في حوارتنا من خلالها إلى كل ما نريد ولكن هل لك أن تتخيل أن شعورك قادر على ترجمة لغة أجنبية لا تجيدها ولا تفهم معانيها،ولكنك قادراً على البكاءمع كل كلمة تحملها أغنية ذاب لها الاحساس وجعاً حتى قبل أن تصل إلى أذنيك ..! هل لك أن تتخيل كيف يتحرك في داخلك احساس مبهم لا تستطيع تفسيره ويعتريك الوجع بمجرد أن تنساب موسيقى أغنية حزينة لا تختلف عن غيرها في اللحن ولكنها وصلتك قبل كل شيء يشبهها في عالم الأصوات ..! من تجربة شخصية عشتها مع ( تتر ) لأحد المسلسلات التركية التي لست حقيقة من متابعيها ولكنني كنت اضطر لسماعها يومياً لأن التلفاز الذي يتوسط المنزل كان مثبتاً على القناة التي تبث المسلسل استطيع القول أنني كنت ولمدة أيام طويلة أبكي بمجرد سماع تلك الأغنية..! قد يطلق بعضكم او حتى اغلبكم ضحكة طويلة وقد يخرج البعض ليقول أن النساء يبحثن عن فرصة بكاء حتى من تعثر قدم ..! قد تكون فرصة البكاء تلك اللحظة أقرب لتفكيري حتى أنا، لأننا عندما نصل لمرحلة نكون فيها الجبل الشامخ الذي لا يهتز نحتاج لثغرة تخبر أننا أيضاً بشر ونحتاج للدموع ولكنني تجاوزت تلك الثغرة إلى أيام متسلسلة من الدمع بعدد حلقات بث ذلك المسلسل العجيب حتى وصلت لمرحلة الإرتباط والوقوف لدقائق حتى يتلاشى صوت الفنان مع آخر كلمة. مضت أيام طويلة إلى أن قررت في لحظة كشف هذا السر و ما الذي يجعلني أبكي لشيء لا أفهمه ؟! هل هو اللحن والموسيقى التي أحب دائماً الاستماع لمقطوعات منها او أنه شعور خفي يحتاج مني إلى التفاتة حتى أدرك ماهيته وسبب وجوده. ببحث بسيط من خلال اليوتيوب وجدت الأغنية مترجمة إلى العربية لتقع الصدمة وينكشف سر الشعور الذي مازال يحبس أنفاسي دمعاً وألمً و لأكتشف أن كلماتها تحكي شيء يخصني فعلاً ..! كنت أعتقد أثناء وقوفي أمام لوحة او قراءتي لقصيدة عربية او حتى إنجليزية أنني قد وصلت لأعمق نقطة شعور لأنني وقتها كرست كل حواسي وخبراتي أمام ماهو مرسوم او مكتوب او حتى مسموع ، ولكن بعد هذا الموقف أدركت أن الحزن الدفين العميق في قلوبنا قادر على ترجمة كل ما يلامسه وينكأ جرحه الذي لم يندمل ..! ** الحياة كتاب بحروف من شعور ..!