انشغلنا في كل قطر إقليمي بتوضيح معاناة المواطن، مشيرين بأصابع الاتهام له حينا، وللمسؤولين حينا، لتساهلهم مع أعراف الفساد خاصة ما ينعكس في فشل مالي. ونتفق كمتخصصين أن ليس المهم فقط أن نستوضح ما حدث في الماضي بل الأهم أن نتفادى ما قد ينتج في المستقبل. هناك بيننا من يحاولون توقع ما يمكن أن يحدث، ومن يتابعون بطرق علمية حسابية إحصائية ودراسات متخصصة عسكرية واجتماعية وسياسية. ومن ينتقدون، ومن يجأرون بالشكوى ومن يحاسبون المتهم المحلي حسابا عسيرا مريرا. وقد يدفعون الثمن على نقدهم المباشر- جائرا أو محقا- للحاضر الكامل التفاصيل. ونخبة أقل تحدس المستقبل بدقة من تفاصيل الماضي والحاضر. وإن أعلنت ما ترى قلما يؤخذ على محمل الجدية في وقت مناسب. الاقتصاد مثل السياسة لعبة نصفها يخفى عن العيون. والتركيز يجب أن يتحول من توضيح الماضي إلى التحكم فيما سيأتي والخروج من مصيدة صراع القطبين العالميين وتخطيطات تغيير حدود المنطقة وتقسيمها لإضعافها عن التصدي لمصالح أي منهما. يجب أن نحول أولويات مشاريع الاقتصاد إلى خدمة المواطن ورفاهه، وبمشاركته فعليا. لا وقت للتبعية ولا للإتكالية. ويبقى السؤال ما الذي رأيت ولم يتحقق بعد؟ ربما قصيدة : وشوشة الصمت في القوقعة حول الخليج الذي يضيق بفيئ السعة. ثم بعد كل هذا أعود إلى التفاؤل: نعم .. سنخرج من ورطة صراع الآخرين وإصرارهم على استخدامنا ساحة لمطامعهم للهيمنة على تقاطع دروب التجارة والتحكم في توازن الشرق والغرب. وسنتصدى لالتباسات تحقيق خارطة الشرق الأوسط الجديد كما يراد لها أن تصير .. وسنرى مصالحنا ونتحالف لحمايتها من السلب. وسنحلّق بأجنحتنا عبر التحول الواعي الذي نعايش بوادر أفقه في دول الخليج، وبأيدي جيل وثقنا بوفائه، وابتعثناه فعاد بقدرات التقنية والتصنيع والتواصل. وإن لم تكن تجربة ناجحة للجميع فهي ناجحة لنسبة تكفي لإنجاح التحول. سنستجيب لنداء الوعي الجديد النابع من حكمة تفهم الأحداث وأخطاء قراراتنا ومناهجنا وممارساتنا والثقة الزائدة بحلفاء المصالح الخاصة. هل هذا إفراط في التفاؤل؟ في زمن يبدو كالحا من كل جهة نظرنا؟ لا نملك خيارا غير تذكير أنفسنا بعدم التخاذل. وأنها ضيقة مرحلية لن تستمر طويلا، وشدة ستزول بإصرارنا على عدم الاستسلام للتحبيط والإحباط والتوقف. إن كنا نقف في دحديرة فعلينا أن تشبث بضرورة التسلق إلى أعلى. ولنتذكر أن ساحة التواصل المفتوح تعج بكثير من الرسائل السلبية تستثير - بتقصد من جهات مغرضة أو انفعالا بغير قصد - الرفض والغضب والصراع الداخلي .. وعلى عقلائنا مقاومتها، وعدم تقبلها كمجرد تعبير عن الرأي أو تعبير عن الشعور. النتائج في الحالتين هي تثيبط للهمة وتأليب لردود فعل تزيد الطين بلة وليس همها الوصول إلى حلول.