إذا كنتم تؤيدون بشدّة، مثلما أؤيد، التدخّل الليبرالي دعماً للقانون الدولي، ستواجهون الانتقاد البديهي بأنكم تنتهجون مقاربة انتقائية. أما البديل عن ذلك، الذي أعتبره مثيراً للسخرية، فهو أنه يتعذَّر التدخّل في كل حالة، يجب عدم التدخّل إطلاقاً. أرى أنه لا بدّ من التدقيق في كل حالة وفقاً لما تستحقه، وسنجد فرصة سانحة لبلوغ الأهداف، كما ينبغي أن نأخذ توافر الإمكانات الديبلوماسية والعسكرية في الحسبان، وإمكان دعم التدخّل من داخل المنطقة. نتابع يوماً بيوم نتائج عمليات الغرب وحلف الاطلسي في ليبيا، فيما نشاهد كل ليلة الفظائع المرتكبة في سورية، حيث كان يقابَل مئات المحتجين بقذائف الدبابات والمدافع الرشاشة على متنها والقنّاصة الذين يطلقون النيران من على أسطح المباني. سورية دولة تتلوّى من الآلام والعذاب، من دون أن تَلُوح في أفقها أيُّ بوادر انفراج، في حين تصمِّم دول العالم بمعظمها على أن تُشِيح بأنظارها بعيداً. وذكرت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية في عدد 30 نيسان (أبريل)، حول المسألة الديبلوماسية، أن: «جامعة الدول العربية ومجلس الأمن وأعداد لا تُحصى من الليبيين، أيدت جميعها الهجوم الغربي على ليبيا، إنما لم يحصل اتفاق مماثل ضد سورية، كما يستحيل في الوقت الحاضر تدخّل القادة الغربيين عسكرياً، في وجه الاعتراضات المحلية الواسعة في دولهم». كما أود إضافة أمر في ما يتعلق بالعمليات العسكرية، هو أن الغرب بات منهَكاً ومتضرِّراً من جولات متعاقبة لخفض ميزانيات الدفاع، وعاجزاً في أفغانستان، التي غاص في أوحالها. كما يبدو أن قدرات «الناتو» على العمل باتت أكبر من طاقته. وداخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قد تعارض روسيا والصين التدخّل الغربي الإنساني في سورية. أما في أوروبا، فنحن نتكلم بسهولة كبيرة عن العالم العربي، ويرسِّخ الربيع العربي في ذاكرتنا مدى اختلاف الدول العربية في الحقيقة. ويفاجأ الخارج بقوة الائتلاف الداخلي الداعم للرئيس بشار الاسد، الذي بالكاد يمكن وصفه بالإصلاحي. كذلك يدعمه التجّار السنّة الناجحون في دمشق، وغيرهم كثيرون من المستفيدين من الانتقال من سيطرة الدولة على الاقتصاد إلى اقتصاد سوق أكثر تحرراً. وتشعر مجموعات دينية عديدة، من بينها المسيحيون، بالحماية والأمان، وهو شعور تسعى إلى عدم فقدانه. وعلى الرغم من أن الرئيس الأسد يدرك تمام الإدراك علاقاته المتدهورة مع الأسرة الدولية، إلاّ أنه سيكون مسروراً لمعرفة أن خطوات هذه الدول لن تتعدى إسداء نصائح لا تجد ترحيباً، كمناشدة أمين عام الأممالمتحدة - على سبيل المثال - بان كي مون له وقْفَ حملات القمع وإجراء إصلاحات عوضاً عن ذلك، وكطلب الأممالمتحدة منه السماح لموظفي الإغاثة ومراقبي حقوق الإنسان بدخول مدن مثل درعا وحمص. وكان وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ، أعلن أمام مجلس العموم الشهر الفائت أن: «المملكة المتحدة تكثِّف تعاونها مع شركائنا الدوليين من أجل إقناع السلطات السورية بوقف أعمال العنف واحترام حقوق الإنسان الأساسية والعالمية، التي تتيح حرية التعبير والتجمّع، وسورية الآن على مفترق طرق». لا بأس بهذه العبارات، إنما هي تذكِّرنا كذلك بإمكانات التدخّل المحدودة المتاحة للمملكة المتحدة بغية تغيير نوايا الرئيس الأسد. ومنذ الإدلاء بهذا التصريح، يبدو أن الاسد اختار الالتفاف نحو الطريق الخطأ، ولا بدّ للمملكة المتحدة من أن ترفع صوتها عالياً دفاعاً عن الديموقراطية وحقوق الإنسان في خضم الربيع، أو اليقظة العربيين، حتى ولو كان الأمر يتعارض مع مصالحها التجارية، فعلى كل دولة أن تعرف ما تمثِّله حقاً، وأن تعرب علناً وبجرأة، بناءً على ذلك، عن رأيها. من المحتمل أن يتبدَّل المِزاج في المنطقة، وأن يكون الضرر الذي سيلحق بالقطاع السياحي في سورية وبنشاطها التجاري الحيويَّيْن بالغ الأهمية. وقد تضطلع تركيا بدور أساسي، وقد تزداد أهميتها. وعلى دمشق أن تخشى أخيراً عدم إيجاد من يدعمها سوى طهران. * سياسي بريطاني ونائب سابق