عندما كنت شاباً كنت أحلم بالسفر إلى بيروت أنفق الصيف فيها سائحاً بين مكتباتها وريفها وكنت أرغب أن أرى شخروب ميخائيل نعيمة الذي عاش فيه نهاية حياته. وكنت أحلم أن أصبح كاتباً مجتهداً وكنت أحسب أنني سأجد امرأة استثنائية, حبا استثنائيا يكون عزائي وسلواي في الطريق الشاق الذي كنت أسير عليه. ذلك اليوم , كنت اجلس خلف مكتبي الصغير أقوم بمهام وظيفتي الروتينية التي يستطيع أيّ أبله أن يقوم بها تماماً كما أفعل أنا, وبعد أن أنجزت عملي كان هناك الكثير من الوقت الفارغ فأخذت صحيفة ونظرت في التاريخ..كان يوم مولدي ال46 ولم أكن لأشعر بشيء. لم يكن يعني لي شيئاً على الإطلاق حتى وجدت ذلك العنوان الذي هزني وجعل الزمن يقف. «ناسك الشخروب» لم أقرأ المقالة. عدت ونظرت إلى التاريخ مرة أخرى وأغلقت الصحيفة ورحت أستعيد 25 سنة من حياتي ومضيت أبكي.. كنت أبكي صباي , أبكي ذلك الإيمان والشغف الذي ضاع. إنني لم أكن بالساذج أيام صباي أحسب أن الحياة لن تقف في الطريق الذي أطلبه لنفسي لكنني لم أظن أنها ستأخذني بعيداً عنه.. إنها لم تأخذني فحسب، بل جعلتني أقضي ربع قرن هل تتصورين معنى أن يضيع المرء ربع قرن من حياته في طريق لا يحبه.. كان ذلك اليوم آخر يوم خلف ذلك المكتب الممل وخلال أسابيع قليلة كنت قد تركت عملي وصحبت كتبي وهأنذا في بيروت ولعل ما فعلته يكون أكبر عزاء لصباي الضائع وإن كان الصبا قد مضى. الصبا الجميل الذي ضاع مني ولن يعود مرة أخرى.