عاد الشاعر إلى بيروت بعد غياب ربع قرن... فكانت هذه القصيدة رُبعُ قرنٍ... وما التقينا... فقولي أين ما كان في الزمان الجميلِ؟ آه... بيروت! ما لوجهك يبدو - مثل وجهي - مُبرقعاً بالذبولِ؟ كيف ضاع الشباب فيكِ ومنّي فقنعنا بذكريات الكهولِ؟ أتمشّى بين الخرائب وحدي أهنا كان مرتعي... ومقيلي؟ أهنا كنت أنشد الشعر ثرّاً لعيونٍ تخضرّ مثل الحقول؟ أهنا مزّق الحنينُ ضلوعي أهنا جرّر الغرام ذيولي؟ أرجعي لي بيروت أغلى سنيني وخذي ما أردتهِ... ارجعي لي! كنتِ حُلماً.. مُجنّحاً.. مستحيلاً وأنا كنتُ شاعر المستحيلِ كنتِ ليلى... وكنتُ مجنون ليلى يا لما يفعل الهوى بالعقولِ كنتِ بحراً.. وكنتُ فيه شراعاً هام يبغي شواطئ المجهولِ كنتِ كرماً.. وكان في الكرم عُشّي ينتشي الكرمُ من رحيق هديلي ما لنا اليوم نلتقي في وجومٍ اعتذاراً لأمسنا المقتولِ؟ أسندي الرأسَ فوق صدريَ.. واحكي قصة الهول في سواد الفصولِ كيف سالت دماء أمّي وأختي بيدي صاحبي.. وسيف خليلي كيف راح القنّاص يحرق عُرسي برصاصي.. وفرحتي بفتيلي كيف غاب الأصحاب من كل درب حين ضمّ الأعداء كلّ سبيلِ كيف نام الصغار.. والموت غولٌ يتمشّى في حلمهم.. بعد غولِ أسندي الرأس فوق صدريَ... وابكيْ ربّ دمعٍ يزري بشعر الفحول لك اشكو بيروت فقدَ جنوني واندفاعي.. وفورتي.. وفضولي وعنادي.. ونخوتي.. وجلادي وخيولي.. وغضبتي.. وصهيلي فرَّ مني طفلٌ لعوبٌ شقيٌّ وأتى الشيخ بالوقار الثقيلِ تتهادى هندٌ بقربي وسلمي غير أني مُحنّطٌ في ذهولي تلمس الفاتنات قلبي جليداً بعد أن كان عالماً من سيولِ آه.. بيروت! ودعيني! فإني ضقتُ ذرعاً.. بوقفتي في الطلولِ قد تعودين أنتِ بنتاً.. ولكن عودتي للصبا... سراب أصيلِ نيسان ابريل 199