حينما لا تجيد الفكاهة في مجلس الذكريات فإنك ستلجأ إلى التعبير عن الذات بطريقة أخرى، وقد لا تكتفي بالحديث عنها في موضع واحد؛ لأنك لم تصل بعد إلى ذلك الخط الغائر في وسط روحك. ذاكرة د.سعود اليوسف الشعرية ثرية بالتيه في غياهب الأفكار والصور والتساؤلات، غير أنني أرى أن هاتين القصيدتين: «هذا الصمت مبحوحًا وهذه أصداؤه، جواب يفتش عن سؤال» تمثلان نزف البوح، وإنك حين تقرأ القصيدتين تشعر بأن القصيدة الأولى تقذف بنفسها في معاني القصيدة الثانية وكأن هذا التيه قد تعدى الشاعرَ إلى القصيدة. ويتجلى هذا البحث عن الذات في عدد من الملامح: مقاربة الجمع بين الضدين في بيت واحد إشارة إلى عمق الاضطراب في نفس الشاعر وصخبه يقول في قصيدة: هذا الصمت مبحوحًا وهذه أصداؤه: «فغمست في شعري يراع مواجعي وسكبت في نفسي مداد غنائي» وفي قصيدة جواب يفتش عن سؤال: «وفي الروح أضداد الشعور تواشجت أغاني عروسٍ والتياعات أرملة» وبالرغم من كل هذا الصخب إلا أنه استخدم لفظة «تواشجت» والتي تدل على القربى ذات الرحم؛ لم يكن اجتماع الضدين مستنكرًا عند ذات الشاعر ولهذا حاول أن يزاوج بينهما. وبينما يعيش الشاعر هذه التناقضات في آن واحد كان من المتوقع أن يأخذنا معه في مقاربة الانكفاء على الذات، وتمثيل الانكسار في مشهد مرعب، يقول في القصيدة الأولى: «أأنا غريب؟ لا جواب، وحشرجت للصمت أحرفه فضج مسائي» وفي الثانية «ولي حلم فظ الملامح موحش فما لي إذا استيقظتُ لمت مؤوله». وإزاء هذا الزخم من الخيبات مضى الشاعر معتدًا بقوته بآماله، يقول في القصيدة الأولى: «أنا إن أعِشْ لمشاعرٍ مطموسةٍ فولاء كل البدو للصحراءِ. .... من يغمض العينين عن آماله يعش الحياة معيشة الغرباءِ». لكنه وفي مشهد يسحر العقل يؤكد تأثير كل هذه المشاعر السلبية على ذاته حتى وإن لم يعبأ بها، حتى وإن أظهر لنفسه ضدها، يقول في القصيدة الثانية: «إذا البيد ألقتْ في الحدائق روحها فقد تظمأ الأشجار وهي مبللة». وفيما عدا ذلك فإن شعورًا ما لا يمكن وصفه -نجده في الألفاظ، وفي الإيقاع- هو أحد الأسباب التي أراها تمثل ارتباط القصيدتين ببعضها.