عزلة المثقف جيدة لتطوير الذات والتفرغ للإبداع، وتعديل مسار الفكر وخط الحياة، لكنها سيئة إذا طال عمرها؛ فهي بذور الهامش، ولا بد أن تكون ثمارها مُرّة، والأمرّ أن الجميع سيتقاسم مرارتها؛ لأنها تعرقل المثقف عن دوره الإنساني، والاجتماعي، والوطني. والمثقف الذي يدير ظهره لوطنه أو منطقته - بعذر العزلة - لم يعِ بعد أن الأبراج العاجية سقوطها حتمي، وسكانها ميتتهم ميتة سوء. عزلة مثقف الطائف وهشاشة وجوده غالبًا ترجع أولاً: إلى أنه اقتصر على أن يطل على المشهد الثقافي من وراء القصيدة والرواية، أو أي زاوية أدبية، ونأى بنفسه عن المساهمة في المشاركة في المجال الثقافي ظانًّا أن هذا يكفي لصناعة الثقافة. ثانيًا: تم تهميشه. ولا أدري، أما آن لمثقفي الطائف أن يكفّروا عن سيئاتهم، ويتحرروا من عزلة بعضهم لبعض، ويتصرفوا بوعي أكثر بمقتضيات المرحلة واللحمة الثقافية والوطنية؟! من الواضح أن عزلة مثقف الطائف ليست للإبداع والإنتاج؛ فهذه عزلة محمودة بعض الوقت، إنما أصنف عزلته عزلة تعالٍ، وعزلة يأس من الوضع الثقافي، ومن مهمشيه؛ فمثقف الطائف غير معني بالمهرجانات والندوات والأمسيات إلا من وراء حجاب، بل هو غير معني بأغلب الأنشطة الثقافية التي تقام في مدينته، وكأنه ملغي من الوجود؛ فهو غائب عن التأثير الاجتماعي، وقيادة الجماهير، وغائب حتى عن تعداده بين النخب الصانعة للنجوم، المتبنية لمواهب كانت ستصنع الفرق والتجديد. الجريدي وحماد وعالي - مع حفظ الألقاب - أين تلاميذهم؟ أين النجوم التي صنعوا وتلمذوا على أيدهم؟ أم لم يكن لهم منجز كهذا؟! صناعة النجم والترويج له لا تعيب المثقف الصانع؛ لأنها حكمة ونظرة بعيدة؛ فهي تساهم في منح المواهب الحقيقية القادرة على حمل لواء الثقافة فرصة مستقبل زاخر. وهذه الصناعة تصب في مصلحة الوطن متى ما تم الإعداد لها بشكل جيد، كما أنها تلغي عزل المثقف الجديد قبل تكوينها، وتمنح المثقف العتيد ثقة المجتمع. ولحل عزلة مثقفي الطائف يجب على المهتم التنسيق مع الأندية الأدبية والمهرجانات في بقية المناطق؛ ليكون لمثقف الطائف حضوره ورؤيته. واستثمار كل الوسائل الممكنة لبلوغه مرماه بالتنسيق مع المعنيين بالثقافة والإعلام، بمن فيهم رجال الأعمال. إدراك أن القمة «تسع الجميع»، وتعددها فيه مصلحة للجميع. والأهم من كل ما سبق أن يرغب بمغادرة عزلته والنهوض من يأسه.