كنت أسمع عنه -رحمه الله- وعن كرمه وحكمته ومعرفته بمعظم الأشياء، رغم أنه كان كفيفاً منذ صغره وسمعه قليل بعد كبره ولكن صيته ذائع بين الكبير والصغير في كل مكان أذهب إليه وكنت أجد اسمه معروفا لدى الكثير وفي كل محافظة وكنت حريصا على التعرف عليه والالتقاء به، وشاءت الظروف أن أجتمع به في مزرعته وبدعوة من ابنه الشيخ خالد العجلان (أبا الوليد) على طريق القصب رغبة وكان اللقاء الأول مع الشيخ إبراهيم بن عجلان بن سعد العجلان -رحمه الله- مع أنني أشاهده في المناسبات والحفلات في رغبة وغيرها وعند محافظ ثادق وفي عدد من اللقاءات والحفلات التي يشارك فيها مع أعيان محافظة ثادق ورغبة، حيث جلست مع رجل أكتشف فيه الحكمة والخبرة والفراسة والبساطة وقوة الشخصية صريح في كلامه لا تمل حديه ولا مجلسه كما أنه وفي كل لقاء تجد به صفة مميزة من صفاته التي قل أن تجدها عند غيره. كان كريما أكثر مما نتصور فرغم مناسباته الكثيرة التي يقيمها للاحتفاء بالمسؤولين والضيوف والأقارب خصص يوم السبت في مزرعته لتناول وجبة الغداء أسبوعيا يحضرها الكثير من أقاربه ومعارفه ومن يريد التعرف عليه أو الاستئناس بالحديث في مجلسه الذي كان مستمرا منذ حوالي 20 عاما لا يتوقف طوال العام إلا في شهر رمضان فقط حيث كان يؤجل مناسباته لكي لا تتعارض مع جلسة يوم السبت ويرفض المواعيد ويقول أنا مرتبط في مزعتي غداء من كل أسبوع فكثيراً هم من يأتون إليه ويرحب بهم ويسمع منهم وبعضهم يعرض عليه بعض الحاجات التي يلبيها بصمت ويسأل عن أحوال زواره ويقدم لهم العون بشكل خاص بعد أن يزورهم ويتفقد أحوالهم المادية فلا يتردد -رحمه الله- عن فعل الخير دائما. وفي المقابل كان هو الداعم الأول لمدينة رغبة منذ أكثر من 40 عاما، فعندما هطلت أمطار غزيرة في عام 1400ه على مدينة رغبة وغرق معظم بيوت القرية القديمة وذهب الناس إلى المساجد بعد سقوط منازلهم وبعضهم لجأ إلى السيارات وأصابهم هلع وخوف وحاجة بادر الشيخ إبراهيم العجلان بتقديم العون لهم وبشكل عاجل فقدم الخيام ووزع عليهم المواد الغذائية حتى انتهت أزمتهم وهو دعم منه لأبناء قريته إضافة إلى بناء المساجد ومنها الجامع الكبير في رغبة وشراء المنازل للمحتاجين وتقديم المبالغ المادية لهم ومساعدتهم طوال السنوات الماضية والدعم الخيري ودعم المشروعات ومن مشروعات الدعم الأخيرة بوابة رغبة التي تكلفت أكثر من 3 ملايين ريال بملحقاتها نقطةمنية ومسجد والعمل على إنشاء قصر احتفالات يجري العمل فيه حالياً قد تصل تكلفته إلى 10 ملايين ريال كما قدم مؤخرا وقبيل وفاته طلبا للأهالي ببناء برج رغبة الأثري التاريخي الذي سقط العام الماضي ليكون معلما سياحيا وتطوير المنطقة المحيطة به ليوضع بها حديقة وجلسات ليرتادها زوار رغبة، كما قام -رحمه الله- بدعم عدد من المشروعات والأنشطة المختلفة التي يصعب حصرها، إضافة إلى دعم الطلاب وتكريم المتفوقين ومساعدة المحتاج والقاصد إليه. ورغم قصر الفترة التي كنت معه فيها إلا أنني تعلمت منه الكثير وأعجبت بصفات كثيرة قل أن تجدها في رجل مثله، وشاهدت فيه -رحمه الله- أجمل الصفات ومنها البساطة والتواضع والكرم السخي ولا أبالغ إذا قلت إنه يفرح بالضيف لدرجة أنه يعتبره أسدى إليه معروفا بقبول استضافته وإكرامه، حيث كان الكرم متأصلا فيه -رحمه الله- ويعتبره هو مقياس الرجال، لذلك تجده دائما في معظم أوقاته لا يمل من الجلوس مع ضيوفه سواء في مزرعته أو منزله العامر دائما بضيوفه وزواره. كان آخر لقائي به -رحمه الله- في مزرعته يوم السبت 4 من شهر شوال، وجلست معه جلسة مختصرة بعيدا عن الحضور وأحسست فيها بقدرته على فهم الآخرين والحياة وما يدور حوله، لقد وجدت منه ترحيبا وتقديرا أحسست بمكانتي عنده وأخجلني تقديره لي، وعرفت منه أنه يعرف الجميع ممن يجلسون مجلسه، ويعطي كلاً منهم ما يستحق فله حاسة قوية لمعرفة الآخرين، يتعاطف مع الجميع ويعطي بسخاء -رحمه الله-، فعلى الرغم أنه لا يتحدث كثيرا وفي الغالب يترك المجال لضيوفه يتحدثون فيما بينهم ويشاركهم عندما يكون الحديث موجها له أو إذا كان هناك موضوعا يستحق السؤال عنه حيث كان يهتم كثيرا بما يخص أمن البلد وحريصا جدا أن يسمع أخبار حرب اليمن والحدود وانتصار جنودنا ويدعو لهم دائما بالنصر وقد زرع في أبنائه ومن حوله حب الوطن والانتماء والولاء والدعم حسب الاستطاعة بالمال أو بالكلمة فهو بيتنا الكبير وكان ملما أيضا بعدد من العلوم الدينية وأوقات دخول الفصول والأنجم حسب التواريخ ويحدد بدايتها رغم أنه كفيف البصر. كان يهتم بالزراعة بشكل كبير رغم كبر سنه وصعوبة تنقله بين المزارع ومنها وإليها ومتابعة العمال وحمايتها والالتقاء بمن يعملون معه يحادثهم ويكرمهم ويعطيهم حقوقهم بكل طيبة نفس ويشرف عليها بنفسه ويستمتع بالجلوس فيها وتناول الغداء مع من يكون قريبا منه وبعض أولاده الذين دائما من حوله ويرحبون بضيوفه ببشاشة وطلاقة وجه وليس لهم مكان محدد في مجالسهم بل يؤثرون غيرهم عليهم ويقدمون ضيوفهم في أماكنهم ليبقوا في خدمتهم في منظر قل أن تجده. وفي رمضان من كل عام يستقبل زواره من أبنائه وأحفاده وأقاربه ومعارفه ومن يكون قريبا من بيته وأهالي رغبة لتناول الإفطار في سفرة كبيرة يتجاوز الجالسين بها على ال100 شخص يزيدون وينقصون خلال أيام الشهر وبعد الإفطار يلتمس حاجة البعض منهم ممن لديهم حاجات ليساعدهم ويقضي حاجتهم بشكل سري دون علم الآخرين ماذا دار بينه وبينهم وعلى انفراد لكل واحد. كما أنه دائما يدعو مجموعات من المعارف لتناول الإفطار ويصر عليهم بالحضور في جلسة يومية لا تمل ويختلف زوارها من يوم لآخر مع الترحيب منه -رحمه الله- وأبنائه الذين يرحبون بضيوفهم ببشاشة وجه وابتسامة لا تفارقهم وهو معنى الكرم الحقيقي. لا أستطيع أن أذكر سيرته -رحمه الله- التي تجاوزت أكثر من 70 عاماً من العطاء وتزداد في كل عام ودعم سخي واستمرار في البذل والعطاء ومع بذل المال والكرم يقترن بكرم النفس وحسن الاستقبال والبقاء مع الضيوف وملازمتهم طوال الوقت. لقد كان خبر وفاته رحمه الله مفاجأة للجميع لأن مرضه لم يمهله طويلا وكنا ننتظر خروجه من المستشفى للاطمئنان عليه ولكنها إرادة الله ولا راد لقضائه وتلقيت الخبر في ذهول بين مصدق ومكذب وحزن كثيرا على من عاملي كابن له وأعطاني منزلة كبيرة في مجلسه يسأل عني ويستضيفني دائما وذهبنا إلى المسجد وبعد الصلاة امتلأت المقبرة بالمشيعين والمعزين وقد بدا الحزن عليهم وكأنه من أعز أقربائهم لمكانته في نفوسهم وكنا نكتم الدمعة والحزن ونتحمل فراق الأخ والصديق والأب الذي شارك الجميع همومهم في حياته وأحزنهم فراقه. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ولنا في أبنائه الخلف -إن شاء الله- فهم في حياته نعم السند له ومؤازين له ولهم نفس النهج الذي كان عليه من كرم ودعم بلا حدود. رحم الله أبا محمد فقد أظلمت شمعة كانت تضيء مدينة رغبة بالخير والعطاء.