يُعدُّ صندوق التنمية العقاري أحد المشروعات العملاقة التي تبنتها الدولة، حيث صدر قرار تأسيس هذا الصندوق بموجب المرسوم الملكي رقم ((م/ 23)) وتاريخ 11/6/1394ه الموافق 1/7/1974م وبدأ نشاطه عام 1395ه أي بعد سنة من تأسيسه، وكان الهدف من إنشائه المساهمة في إقامة المساكن الحديثة والمجمعات السكنية في مختلف أنحاء المملكة. وكأي صندوق منشئ في ذلك الوقت كان رأس ماله (250) مليون ريال، ثم تضاعف حتى وصل إلى (183) مليار ريال بنهاية عام (1433ه) وليصبح الصندوق من أكبر مؤسسات التمويل العقاري بالعالم، وذلك رغبة من حكومتنا الرشيدة في قيام الصندوق بتحقيق القدر الأكبر من طموحات المواطنين في توفير السكن الملائم والمريح. * ولم تغفل الرؤية الوطنية 2030 عن أزمة الإسكان فقد شملت النقاط الأساسية التي تسعى لتحقيقها مثل رفع نسبة تملك المواطنين لمنازلهم من 47 في المئة إلى 52 في المئة كذلك تقليل مدة انتظار صدور الموافقة على القروض من (15) سنة إلى (5) سنوات، وهي بلا شك تحديات كبيرة يمكن تجاوزها إِذْ اتحدت عناصر هذا المشروع. إن تعثر المقترضين أو عدم الجدية في تسديد الدفعات الشهرية يثقل كاهل الصندوق مما يترتب عليه التأخر في إصدار أرقام أو قروض جديدة، مما يعني حرمان هذا الجيل والأجيال القادمة من الاستفادة منه، حيث بلغ مجموع المبالغ المتعثرة للصندوق ما يزيد على (29) مليارا غير محصلة وهي تمثل تقريبا قيمة (280222) وحدة سكنية. وفي دراسة استطلاعية قام بها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني اشتملت على أربعة محاور تتضح بعض الممارسات والآراء عن سبب التعثر في سداد القروض، حيث في المحور الأولى (اتجاهات المواطنين نحو صندوق التنمية العقاري) نجد أن (48 في المئة) من شملتهم الدراسة يرى أن المقترضين يمتنعون عن السداد رغم قدرتهم المالية على السداد بينما يرى (35.9 في المئة) أنها هبة من الدولة أو حق مكتسب للمواطن وبالتالي لا يستوجب السداد. وفي المحور الثاني (أسباب تعثر القروض) تشير الدراسة إلى أن (61.9 في المئة) يرون أن غياب الإجراءات الصحيحة التي تلزم المقترضين بالسداد أدت إلى تخلفهم عنه، وفي المحور الثالث (الآثار المترتبة على تعثر القروض العقارية) رأى (86 في المئة) من عينة الدراسة أن عدم سداد القروض سيؤخر فرصة الحصول على القروض لمن هم على قائمة الانتظار، وفي المحور الرابع (سبل علاج تعثر القروض العقارية) رأى (88 في المئة) إن إلزام المقترضين بآلية الاستقطاع الشهري من الراتب سيحد من تفاقم مشكلة القروض المتعثرة، ورأى (84.6 في المئة) من العينة أيضاً أن الربط الإلكتروني مع البنوك للمقترضين من الصندوق سيلزمهم بسداد قروض الصندوق العقاري.* تأخذني هذه الدراسة إلى أبعد من أرقام، إلى الجانب الديني والوطني والإِنساني والأخلاقي الذي يجب علينا كمواطنين إن نتمتع بتا ففي الجانب الديني قال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلَّم - (أدوا الأمانات إلى أهلها) وفي الجانب الوطني يُعدُّ هذا القرض الخالي من الفوائد الذي يمتد إلى (30) سنة أحد الامتيازات التي لا تتوفر في كثير من الدول وبالالتزام بالسداد المجدول تساهم في نجاح هذا الصندوق الوطني، وفي الجانب الإِنساني عدم التزامك بالسداد سيؤخر أسراً محتاجة له مما يترتب عليه زيادة فترة الانتظار وبالتالي زيادة عدد سنوات التي ستتجه إلى الإيجارات. أما في الجانب الأخلاقي والتزامك بالسداد يعكس صورة نمطية عن أمانة المواطن والتزامه بالعقود التي ذكرها الإسلام وحث عليها. يقع التعداد السكاني في المملكة العربية السعودية بين فئة الشباب بواقع (30 في المئة) وفئة من هم أقل من (20) سنة بواقع (50 في المئة) أي أنهم يمثلون بمجموع (80 في المئة) من فئات المجتمع، إِذْ تم التخلف عن سداد هذه القروض بلا شك ستخلق مشاكل أكثر من عدم السداد نفسها، بل إلى مشاكل أخرى مثل الإحجام عن تكوين أسر جديدة ونظرة تشوبها التشاؤم لمن هم في مقتبل العمر.