أهداني ابني البار الأستاذ فهد الخلف المحاضر في قسم اللغة العربية في كلية الآداب، من ضمن ما يواليه من هداياه القيمة، كتابًا له من اسم مؤلفه نصيب هو كتاب «مجيء (أبو) في محل نصب أو جرّ، على الحكاية: عليّ بن أبو طالب، معاوية بن أبو سفيان، رضي الله عنهم»، ألفه إبراهيم بن عبدالله بن عبدالرحمن المديهش، فالكتاب مدهش في استقصائه متنًا وحاشية، وقد أحسن تقليب المسألة على وجوهها، وانتهى في الختام إلى ذكر أربعة أقوال: القول الأول:(أبو) تأتي في موضع نصب أو جرّ، على الحكاية. القول الثاني: إذا وردت (أبو) في موضع نصب أو جرّ، فهي كتابةً لا نطقًا. القول الثالث: لا ترد مطلقًا، لا كتابة ولا نطقًا. القول الرابع: يمكن أن يقال به: تلزم (أبو) في جميع الأحوال، على لغة قريش. ورجح المؤلف القول الثاني، وكان قد بادر في صدر بحثه إلى ترجيحه، وجاء في بحثه ما سماه (وقفة تأمل) جاء فيها «في الحقيقة لم أجد نصًّا صريحًا صحيحًا يُحتَجَّ به على مجيء (أبو) في موضع نصب أو جرّ على الحكاية، وإذا وجد في النصوص القديمة، فالتخريج على ما قاله علماء النحو: وردت كتابة لا نطقًا. تساؤل: لماذا تكتب بالواو، وتنطق حسب موقعها الإعرابي؟» هذا سؤال وجيه، كان يمكن أن يُدْفَعَ به القول الثاني الذي أراد به بعض النحويين ردّ ما خالف القاعدة بشيء من التأويل والتخريج غير ملتفتين إلى أن اللغة أوسع من قواعدها، وأن مستعمل اللغة ربما خرج في بعض استعمالاته عن تلك القواعد، مع أنّ قولهم مدفوع بأنّ قوله تعالى ?تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ?[المسد-1] قرئ أيضًا {تَبَّتْ يَدَا أَبُو لَهَبٍ وَتَبَّ}(1)، فليست القضية رسمًا بالواو ولفظًا بالألف أو الياء حسب الإعراب؛ لأن القراءة مشافهة. نبّه المؤلف إلى أمر مهم، قال «والحقيقة أنّ الأمثلة المشار إليها في حاشية (ص5) تعتبر قليلة بالنسبة لضخامة التراث، خاصة كتب التراجم، هذا إن ثبتت الأمثلة كلها، فربما نجد بعد الرجوع إلى مخطوطات ذلك الكتاب مجيئها منصوبة أو مجرورة، فلا تعتبر دليلًا». ولذلك لا حاجة لتخريج ما جاء في التراث منها، ولا الزعم أنها في الكتابة بالواو وفي النطق بالألف نصبًا وبالياء جرًّا؛ وأما في العصر الحديث فإن المصلحة تدعو إلى تثبيت الاسم على حالة واحدة فيكون الاسم مبنيًّا ولمن أراد إعرابه أن يعربه على الحكاية، وقد ورد في (مجموعة القرارات العلمية في خمسين عامًا) ص36، قرار ذهب في بعض ما ذهب إليه إلى تسكين الأعلام كلها إجراءً للوصل مُجرى الوقف. واقترح عباس حسن أن يكون الاسم مثل (محمد علي حسن) اسمًا واحدًا مركّبًا تركيب مزج، وأنا أميل إلى قوله. إنّ عمل الأستاذ المديهش عمل متميز؛ ولكنه لم يسلم من الأخطاء الكتابية من صفحة العنوان حتى أواخر صفحات كتابه، تجد في العنوان كلمة (مجيئ) وصوابها: مجيء، واضطرب الكاتب في رسم تنوين المنصوب فهو قد يرسمه على الحرف، وقد يرسمه على الألف، وربما تجد فتحة على الحرف وفتحتين على الألف، والأولى عندي التزام طريقة واحدة هي رسم الفتحتين على الحرف ليطرد اقتران التنوين ضمًّا وكسرًا وفتحًا بالحرف، وهذه طريقة إمام العربية الخليل بن أحمد التي هي امتداد لنقط أبي الأسود الدؤليّ. وهذه الأخطاء لا تقلل من أهمية الكتاب، فهو عندي جدير بالقراءة. ... ... ... (1) الزمخشري، الكشاف، 6: 456. الرازي، تفسيره، 32: 350.