استبشرنا خيراً مع إعلان هيئة السوق المالية مؤخراً عن تعليمات بناء سجل الأوامر وتخصيص الأسهم في الاكتتابات العامة الأولية التي من المفترض أن تسهم في إعادة تنظيم آليات بناء سجل الأوامر وتخصيص الأسهم بشكل أفضل من السابق، وبالتالي تسهم بشكل غير مباشر في إعادة تنظيم الاكتتابات العامة الأولية في ظل الانتقادات التي تتعرض لها هذه الاكتتابات من وقت لآخر سواء من الجهات المشاركة (كالمؤسسات المالية والصناديق الاستثمارية والشركات والكيانات الاعتبارية الأخرى) أو من الأفراد. أهم ما يلفت انتباهي في هذه التعليمات، أنها ومع الأسف الشديد لم تتضمن آلية تحديد النطاق السعري في عملية بناء سجل الأوامر ومن هو المسؤول عن تحديد هذا النطاق أسوة بما معمول به في الأسواق المالية العالمية وتركت هذا الموضوع الجوهري «مبهماً» مما يجعلنا نعتقد بأن الهيئة ستستمر بنفس النموذج الحالي القائم على «تدخلها المباشر» في تحديد النطاق السعري كما لو أنها طرف رئيسي في هذه العملية دون أي ضوابط نظامية لذلك وهو ما يتناقض تماماً مع آليات بناء سجل الأوامر في جميع الأسواق المالية المتقدمة والقائمة على عدم تدخل الهيئات المنظمة للأسواق في هذه العملية جملة وتفصيلاً! وإذا دققنا جيداً في هذه التعليمات حتى نفهم مسؤولية المستشار المالي للمصدر في تحديد النطاق السعري، فسنجد أن مسؤوليته لا تتعدى الإعلان عن هذا النطاق السعري فقط! وفي نفس السياق، إذا دققنا جيداً سنجد أن التعليمات تضمنت السماح للمؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة بالدخول في عملية بناء سجل الأوامر لأول مرة وبنفس الشروط والمزايا مع بقية الجهات المشاركة داخل المملكة، ويبدو لي أن هذا تمهيد مهم لطرح أسهم شركة أرامكو السعودية في السوق المالية السعودية في المستقبل القريب وإشارة واضحة للمستثمرين حول العالم بأن السوق المالية السعودية ستكون أحد الأسواق التي ستستقبل هذا الطرح والإدراج التاريخي. الأهم من كل هذه التعليمات، هو ضرورة إلزام متعهدي التغطية بشراء الأسهم التي لم يكتتب بها في نهاية الاكتتاب ولو لمرة واحدة وذلك لضمان توازن آلية تحديد السعر العادل مقابل التعهد بالتغطية التي لم نشاهدها حتى الآن مع الأسف الشديد! وأيضاً ضرورة التوقف عن المجاملات المخجلة لصالح متعهدي التغطية كما كان يحدث في السابق، خصوصاً أن متعهدي التغطية يأخذون رسوما باهظة من مصدري الأوراق المالية مقابل مخاطر عدم التغطية التي لم تحصل (ويبدو أنها لن تحصل مستقبلاً)، وبالتالي يتوجب العمل على تخفيض هذه الرسوم بشكل كبير وعادل في ظل عدم وجود هذه المخاطر أصلاً. وفي رأيي البسيط، لو تم إجبار متعهد تغطية واحد فقط على شراء أسهم لم يتم الاكتتاب بها لرأينا أسعاراً عادلة للأسهم المطروحة في الاكتتابات العامة ثم لرأينا توازناً طبيعياً في آلية تحديد السعر العادل مقابل رسوم التعهد بالتغطية في بقية الاكتتابات العامة دون الحاجة للتدخل المباشر دائماً، ومن واقع هذه التعليمات الجديدة وما تضمنته من تقنين لتغيير النطاق السعري فإننا قد لا نرى هذا التوازن الطبيعي على الإطلاق مستقبلاً والله أعلم.