تبعاً لمتطلبات دوري المحترفين الآسيوي، واذا كنا بالفعل ننشد التطور والارتقاء والاستقرار لأنديتنا حاضراً ومستقبلاً فلابد من التعامل معها بالمفهوم المؤسساتي إدارياً ومالياً، وبالتالي الانتقال بها من التخبط والعشوائية والفوضوية إلى رحاب أكثر دقة وانضباطية وشفافية وايضاً احترافية، وهنا أشير الى ان الكثيرين لا يعلمون ان جميع الاندية بلا استثناء بما فيها التي تجاوزت شروط تسجيل لاعبيها الجدد اصبحت اليوم بحسب أرقام مديونياتها الرسمية المعلنة قصيرة وطويلة الأجل في عداد الأندية (المفلسة).. كيف؟! تعريف المفلس بحسب المادة (103) من لائحة المحكمة التجارية السعودية هو: (من استغرقت الديون جميع أمواله فعجز عن تأديتها)، وينقسم الإفلاس الى ثلاثة انواع، الأول: الافلاس الحقيقي، الثاني: التقصيري، الثالث: الاحتيالي.. والنوع الثاني (الافلاس التقصيري)، هو الاقرب لواقع انديتنا، حيث يعرف بأنه: المبذر في مصاريفه ولم يبين عجزه في وقته، بل كتمه على غرمائه واستمر يشتغل في التجارة حتى نفد رأس ماله..! اقول انديتنا مفلسة لان جميعها بدأت الموسم ومازالت مديونة، والسماح لها في التسجيل لا يعني أنها تخلصت من كامل مديونياتها، وإنما فقط خفضت الديون قصيرة الأجل الى الحد المقرر من قبل هيئة الرياضة والذي يتراوح ما بين 50 مليوناً إلى 5 ملايين حسب ترتيب الفريق في الدوري، وهذا بالطبع خلاف الديون طويلة الأجل، والتي بدورها سوف تشكل عبئاً إضافياً، أي أن الوضع المالي للاندية السعودية استنادا لهذه الارقام ولحجم انفاقها وايراداتها ومصروفاتها المتوقعة خلال المرحلة القادمة يشير الى أن الديون ستزداد وتتضاعف الى ارقام جديدة اكثر خطورة وصعوبة في احتوائها، ولا أقول حلها لأن هذا يبدو مستحيلاً..! الأسوأ في جانب الديون أن كثيراً من الأندية لم تسددها كاملة كي تستوفي شرط التسجيل، بل اتفقت مع مستحقيها على جدولتها أو استيفائها من مستحقاتها من النقل التلفزيوني أو الرابطة، إضافة إلى تلك عالجت جزءاً من ديونها عن طريق قروض بنكية، الأمر الذي سيجعلها مستقبلا ودائما امام التزامات مالية مرهقة وديون ضخمة تكبر وتكثر وتتصاعد مع مرور الوقت في قيمتها ومصادرها، إلى جانب أن متطلبات لجنة الاحتراف فيما يتعلق بحوالات رواتب اللاعبين المحترفين محددة حتى شهر يونيو الماضي بالنسبة لفترة التسجيل الصيفية، ما يعني أن رواتب الشهور من يوليو وحتى موعد تسجيل الفترة الشتوية ستبقى معلقة مع المستحقات الأخرى للاعبين الأجانب والمدربين ومعها مصروفات النادي المختلفة، وهذه مجتمعة تقدر قيمتها في الأندية الكبيرة بمبلغ يتجاوز العشرة ملايين ريال شهرياً..! لو طلب من مكتب محاسب قانوني صياغة الميزانية السنوية للأندية السعودية ومراجعتها وتدقيقها فلن تجد نادياً واحداً تنطبق عليه الشروط النظامية لإقرار واعتماد أرقام ميزانيته، لسبب بسيط وهو أن مصروفاته وديونه المجدولة المتراكمة تتجاوز بكثير إيراداته المحدودة جداً، والتي يصعب توقعها والاعتماد عليها، وبذلك ستتعدى الميزانية حد العجز الى اعلان الافلاس للأسباب المشار إليها. الحل عند بلاتيني صحيح أن هيئة الرياضة وكذلك لجنة الاحتراف ساهمتا في تنظيماتها الأخيرة بخفض ديون الأندية بعد أن شعرت بقرب إصدار عقوبات قاسية من الفيفا على عدد من الأندية المتورطة في مستحقات مع لاعبيها ومدربيها الأجانب، لكن هذا لا يكفي لإنقاذها من افلاسها حالياً، وبالتأكيد لن يحد من تطوره الى الأسوأ لاحقا مع زيادة الانفاق وتراكم ونمو الديون مقابل ضعف الإيرادات التي لا تغطي بأفضل الأحوال 40% من اجمالي المصروفات السنوية، زد على ذلك ان الظروف الاقتصادية وعزوف المستثمرين في المرحلة القادمة ستزيد الأمور المالية تعقيداً، الأخطر من هذا كله ان كثيراً من إدارات الأندية تتعامل في هذه المسألة على طريقة (أنا ومن بعدي الطوفان) فتهتم بتوقيع الصفقات بأي ثمن لتحقيق نتائج ومنجزات في وقتها، دون النظر لعواقب هذا الاسراف الفوضوي وما يترتب عليه من مشاكل بعد رحيلها ستنعكس سلباً على مستقبل النادي، من هنا فليس امام الهيئة او اتحاد القدم سوى إقرار تنظيم مالي شبيه بمشروع رئيس الاتحاد الأوربي السابق ميشيل بلاتيني والذي تم تطبيقه على الأندية الأوربية وأطلق عليه اسم (اللعب المالي النظيف)، وينص على عدم السماح للنادي بالانفاق على نشاط كرة القدم أكثر من دخله. ما تمر به الأندية السعودية حالياً تنبأ به قبل سنوات رئيس نادي الشباب الأسبق الأستاذ خالد البلطان، وقتها قال: ان الأندية السعودية بلا استثناء مقبلة على حالة افلاس بسبب غياب التنظيم المالي لعقود اللاعبين، واليوم وقد أصبحت رؤية البلطان واقعا ملموسا ومؤثرا، وحتى لا تترك الأندية تغرق أكثر جراء تخبط إدارات لا تقدر حجم الكارثة، من الضروري إقرار نظام انفاق مالي صارم يخضع لرقابة ومحاسبة وتطبيق جاد من قبل اتحاد الكرة، والا سنكون في القريب العاجل امام المزيد من الكوارث وأيضا العقوبات الدولية التي لا تعترف بأسلوب المجاملات ولن يقف في وجهها آفة الاستثناءات..!