لا شك أن كل دول العالم الغربي قامت على مبادئ الليبرالية، وهي في أساسها ليبرالية اقتصادية، وما الليبرالية الاجتماعية إلا تفرع يسير لمصطلح الليبرالية الواسع، ويعتبر الرئيس الأمريكي (1801-1809)، توماس جيفرسون - وهو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، والمفكر الذائع الصيت - أحد أشهر عرابي الليبرالية الحديثة، على أرض الواقع، إذ ينسب له الفضل في كتابة الدستور الأمريكي، قبل أكثر من قرنين، وهو الدستور الذي لا يزال قائما حتى اليوم، وساهم في صعود نجم الإمبراطورية الأمريكية، لتصبح زعيمة العالم، وقد تذكرت توماس جيفرسون وجون لوك وآدم سميث وديفيد ريكاردو، وأنا أتابع ما يجري حاليا على الساحة العالمية، فقد ساهم هؤلاء المفكرون في إنقاذ البشرية من سلطة الإقطاعيين ورجال الدين، إذ كانت أوروبا تعيش في ظلام دامس، تحت سلطة الكنيسة بالتحالف مع الأسر الأوروبية الاروستقراطية، ولا أظن أن هؤلاء المفكرين سيكونون سعداء، فيما لو قاموا من قبورهم اليوم، وشاهدوا هوية المتنافسين على قيادة العالم الغربي !. لقد عمل الغرب طويلا على ترسيخ قيم الحرية والعدالة، ومع أنه كان هناك دوما حراك يميني متطرف، إلا أن الغلبة كانت، حتى وقت قريب، لقيم العدالة. هذا، ولكن العالم الغربي بدأ يجنح، منذ فترة ليست بالقصيرة، وعلى استحياء، نحو اليمين، وبدأت نسبة انتخاب أصحاب الأجندات العنصرية تزداد، كما ازدادت حدة اللغة الإقصائية، من قبل الساسة، ومن المسلم به، أن هناك سياسيين غربيين تحولوا، رغما عنهم، من اليمين المتطرف نحو الوسط المعتدل، وذلك لأسباب انتخابية بحتة، مع أنهم هم ذات الساسة، الذين يحفل الأرشيف بتصريحاتهم اليمينية المتطرفة، وهذا يعني أنهم يمينيين في أعماقهم، رغم تصريحاتهم المعتدلة، وبعضهم فضحته زلات لسانه، مثل الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش الأب، فذات مرة، وعندما كان نائبا للرئيس رونالد ريجان، قدم أحفاده، أبناء ابنه جيب بوش، للرئيس ريجان، وقال مخاطبا ريجان: «فخامة الرئيس، هؤلاء أحفادي الملونين!!»، إذ أن أبناء جيب بوش كانوا ذوي سحنة لاتينية، فوالدتهم من أصول مكسيكية، وقد حصلت فضائح مشابهة، مع ساسة أقل شأنا من بوش، مثل نائب الرئيس أوباما حاليا، جوزيف بايدن. عندما صعد نجم المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، وذلك بسبب أيدولوجيته المتطرفة، وعنصريته، كان لافتا أن أول من بادر بتأييده هو السياسي النازي الأمريكي، ديفيد دوك، ودوك هو أحد قادة حراك منظمة «الكلو كلس كلان» العنصرية، وهو الذي سبق أن قال: «إن الأحصنة والخيول خدمت الإمبراطورية الأمريكية أكثر من السود»، وما شعبية ترمب، وتصويت بريطانيا على الانفصال من الاتحاد الأوروبي، وغيرها من الأحداث المماثلة، إلا دليل على جنوح العالم نحو الجهل والتعصب والتطرف والعنصرية، وهي القيم التي حاربها الغرب عن طريق تطبيق القيم الليبرالية، ولا زال الأمل قائما في زعيمة العالم الحر، أي أمريكا، فنتائج انتخاباتها الرئاسية القادمة ستحدد مصير مستقبل العالم، وأظن أنها لن تخيب ظن المعتدلين، وستحافظ على قيم الحرية والعدالة، والتي أكد عليها توماس جيفرسون، قبل أكثر من قرنين، وربما يصبح دونالد ترمب شيئا من التاريخ الذي لا يريد أن يتذكره أحد!.