كان مصححاً ثم مدققاً والآن صار مفتياً وبكرا يعلق المشانق .....» الأسطر الثلاثة السابقة كانت تغريدة للدكتور عبدالله الغذامي، كتبها في 24-6-2016، كان يقصد بها حساب «المفتي اللغوي» الذي يديره ويشرف عليه الدكتور سليمان العيوني، وهو حساب خاص بالفتاوى اللغوية كما يُعرّفه صاحبُه، ولا يوجد مثله بمسماه وبوظيفته في عالم تويتر. الملفت في هذه التغريدة أن الغذامي على غير عادته، بدأ بفتح جبهة لحرب محتملة مع العيوني ومتابعيه، فأعطى هذا «النمام الإلكتروني» الإذن في أن ينقل كرهه لطريقة وثقافة التصحيح والتدقيق اللغوي الذي يمارسه هذا الحساب وغيره؛ لأنه يعتقد أن مثل هذه الممارسة هي غفلة عن حقيقة اللغة، وبالتالي تضعها في حصار بيد أوصياء، ولا بد من إعلان الموقف ضدها مهما كلف الأمر، فأطلق تغريدته للريح ولم يخش لومة مغرد، وكأنه وهو يشعل فتيل هذه الحرب التويترية، قد أصابه شيء من التبلد ضد «الرهطوية» التي واجهها سابقاً في صدامه مع آل الشيخ وابن سعيّد وغيرهم، أو كأنما أصبح مدمناً على مواجهتها وأراد أن يجرب هذه المرة فيبدأ بالمناورة، ويستعرض قواته في «مبارزة لغوية» أمام جيش جديد له اهتمام باللغة واللغويين. ولغوي متخصص كالغذامي يعني ما يقوله تماماً، فهو القائل: «إذا كتبت تغريدة أعنيها لفظاً ومعنى»، وناقد بمثل تصوره يعي أن تغريدته هذه ستكشف جزءاً من شخصيته الثقافية والاجتماعية أمام الملايين، فهو الذي وصف تويتر بأنها «مكشوفة كاشفة»، وبلاغي بمثل أدواته لا يفوته أن «الهجائيات الثقافية» هي أخطر سلبيات الشاشة المجازية والوسائلية، وأن دلالات أخرى ستحاصر مسار الجملة بمافيها من مفردات، ومع هذا لم يتراجع عن إبداء رأيه في هذه التسمية وانتقدها بسخرية لاذعة، فهل ركب الغذامي تويتر؛ «الفرس الجموح»، أم طرد وراءها وتركها تجره معها وتؤذيه بغبارها؟!. دعونا نعود مرة أخرى إلى التغريدة المذكورة، وإلى السطر الأخير منها على وجه الخصوص، لأني أعتقد أنه مربط «فرس» الغذامي، الفرس التي يجب أن يكون ركضها في مضمار البيان الأخلاقي الذي أصدره واتخذه منهجاً له في تعاطيه مع تويتر، ونشره بعد ذلك في كتابه الأخير: «ثقافة تويتر: حرية التعبير أو مسؤولية التعبير»، ولنبدأ أولاً بكلمة «بكرا»، التي جاء بها مكان كلمة «بكرة»، وهو بهذا السلوك اللغوي يعلن موقفه من استخدام الفصيح في التغريد، وكأنه لا يرى ضيراً في استبدال صوت مكان آخر أو في استخدام كلمة عامية مكان فصيحة كما يفعل ذلك دائماً، إذ يعده من طبيعة «تويتر» وواقعيته التي يجب عدم تجاهلها، خاصة وأن استخدام اللغة الرفيعة النخبوية هو ملمح من ملامح نموذج مخملي ذمه الغذامي سابقاً، وهو نموذج «نعوم تشومسكي» الذي دخل بنية البروفيسور وليس بنية التفاعلي فنكص على عقبيه، وهذا الموقف المتساهل مع العامية يناقض موقف «المفتي اللغوي» تماماً، إذ يرفضها بصرامة، ويعد التحذير منها واجباً عليه، وجزءاً من رسالته التي يحملها في تويتر وفي غيره، وحيث نجد للغذامي عشرات التغريدات التي تحتوي على كلمات عامية، فإننا في المقابل لا نجد تغريدة واحدة للمفتي اللغوي، تحوي كلمة عامية واحدة!. ما بعد كلمة «بكرا»، تأتي جملة محملة بصورة ذات دلالات عُنفية، حيث توقع الغذامي أن يعلق هذا «المفتي اللغوي» المشانق للمخالفين؛ «وبكرا يعلق المشانق .....»، ثم رسم خمس نُقَط بعد كلمة «المشانق»؛ ليترك للقارئ وضع احتمالات أخرى مشابهة ومرادفة، وكأنه يريد له أن لمخيلة القارئ أن تشاركه رسم مشهد العنف هذا! هنا قد يقول قائل إن الدكتور الغذامي سقط من فرسه، وحاد عن منهجه الأخلاقي الذي اختطه لنفسه في هذا العالم الافتراضي، فجملته الأخيرة فيها اتهام حتى وإن كانت حمّالة أوجه؛ لأن المعول عليه في تويتر، فهم العامة من القراء، الذين يراعيهم هو في خطابه، ويطالب الآخرين دائماً بهذه المراعاة؛ معللاً ذلك بأنه لا يريد لتويتر بأن يتحول إلى شيء أشبه «بالسبورة» في قاعة علم. وقد يقول آخر إنه يؤدي دوراً اجتماعياً توعوياً، فهو مع منزلته الرفيعة من اللغة الفصحى، وقدرته على تطويعها، إلا أنه لا يبالغ في المثالية فيها ولا يعيش في أبراج عاجية منها، عرف وظيفة تويتر، وطبيعة مرتاديه، وأراد الوصول للجميع، وأن يتداول معهم لغتهم اليومية. ما كادت الحرب أن تنشب أظفارها، حتى وضعت أوزارها برد الدكتور العيوني: ثم أردفها بتغريدة أخرى موجهاً خطابه لمن ركب ظاهرة «الرهطوية» من متابعيه: «لا أرضى أن يمس أحد في شخصه في حسابي. د. عبدالله الغذامي قامة علمية ووطنية، قال رأيه الذي يعرضه ولا يفرضه». لقد قطع العيوني الطريق على الغذامي الذي مافتئ يردد: «إن سمحت لأحد أن يستفزك فستعطيه سلطة على أدق مشاعرك» وهكذا أُسْدِلَ الستارُ على تغريدة لم تُفَسَّرمن قِبَلِ صاحبها تماماً، ولم يسعفنا موقف العيوني المتسامح جداً لننزع بقية قشور البصلة، وكأنهما أتفقا على أن يجعلا هذه القصة مثالاً لما سماه الغذامي «التغريد البصلي». ملحوظة: غالبية المصطلحات الواردة في المقال، المكتوبة بين علامتي تنصيص، هي من استعمال الدكتور الغذامي في كتابه المذكور. - د . حمد الهزاع [email protected]