هل سبق أن شاهدت طفلاً حينما يتمكّن من أول خطواته وهو يرفض أن يحكُمه مكان أو مقعد فكأنما أصبح العالم تحت أطراف أصابع قدميه الصغيرة مُسخرا، لا شيء يوقفه أو يحّده أويثّبته في مكانه. تأملت الصغير وأنا أفكر في أننا أغلبنا مثل هذا الصغير، ما أن نلتقط أول الخيط لحرية ما.. حتى نقبض عليها بإصرار ونمتلئ منها حد الثمالة! أحيانا - مثل هذا الصغير تماما- نفتقد لبعض بل لكثير من المنطق .. حينما تُسيرنا رغبة محمومة بالانطلاق حتى لو لغير هدف محدد أو وجهة واضحة.. مواقع التواصل مرة أخرى .. هي أشبه بخطوات هذا الطفل، فتحت لنا عوالم شاسعة من الانطلاق .. أحيانا بلا وجهة، فقط انطلاق.. وهنا لا أتحدث عنّا كشعوب عربية وخليجية فقط، فالسباق المتلهف «للتواصل» يجعلنا نتخبط أحيانا فيما ننقله ونشاركه. فيس بوك Face Book سمح عبر تطبيقه بالفيديو الحي Live Streaming وقدم تويتر Go-live Periscope فانتشر على الأول تعرض شاب للقتل بإطلاق النار عليه وسط صدمة وذهول المتابع، وصورت فتاة على الثاني عملية اغتصاب لفتاة في السابعة عشر من عمرها.. يقول إبراهام لينكولن: «الحرية هي الرغبة بأن نكون مسؤولين عن أنفسنا».. ومن نفس المنطلق أن نكون مسؤولين عن الكلمة والصورة والخبر الذي نطلقه في أثير عوالم التواصل .. طبيبة الحيوانات الإندونيسية واراهابساري انبهرت- مثل كثيرين- بهذه العوالم اللا محكومة بمنطق ووقفت تُشارك لحظتها مع فيل أضعاف حجمها في جاكرتا مٌتباهية بتواصلها الذي لا يعرف، حدوداً متحديّةً جبروته ومُتجاهلةً ما أطلقت من غضبه غير المحكوم بمنطق ففقدت في غمرة انبهارها.. منطقها ..إنها آخر ضحايا السيلفي التي دهسها الفيل. على الرغم مما تفتحه لنا من آفاق هذه المواقع وهذه التطبيقات الواسعة والمتشعبة في خدماتها وعلى الرغم مما تمنحه لنا من فرص واقعية - رغم أنها افتراضية- للمعرفة والتعلم، كم يا ترى من فيل نستفز بلا وعي بخطورة ردود الفعل ونتاجها حينما ننطلق في هذا السباق المسعور للتواصل !؟