تدعوني دراسة نشرها الباحث المغربي عبدالعزيز بودين بعنوان) الأسر القهري لمقاهي الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي(بمجلة أفكار التي تشير إلى الغاية الفعلية من وراء غرف الدردشة ك : )تبادل المعلومات والخبرات التي أضحت توفر إمكانية الالتقاء والمقابلة على الانترنت وردود الفعل مع الوقت التي تسببها تلك الغرف التي تدعو من مستخدمها شخصية مدمنة وتوقعه فيما بعد في حالة من الأسر القهري فلقد رصدت دراسة أجريت على اربعمائة شخص من مرتادي مقاهي الانترنت سلوكيات لايمكن وصف أصحابها الا بالعبيد أو المدمنين، مثل الانشغال بالتفكير الشديد في الانترنت ، أثناء إغلاق الخط ، عدم القدرة على السيطرة في الرغبة في استخدام الإنترنت وقالت الدراسة إن بعض الأشخاص يستيقظون منتصف الليل لإلقاء نظرة عليه .ومما خلصت إليه الدراسة البريطانية اعتبارها مدمني الإنترنت من المرضى النفسيين وأن إدمانهم ذاك يمكن أن يعطل حياتهم الدراسية والاجتماعية والوظيفية. وتدعو نتائج الدراسة السابقة إلى ضرورة العمل على إيجاد سبل أخرى تخفف من وطأة تلك العبودية الرقمية التي باتت تستهلك المجتمع العربي بكافة فئاته أطفالا وشبابا وكهولا ، والتفكير العميق في ابتكار سبل أخرى يشتغل عليها مجتمع المعرفة وتقودها العقول نحو المصالحة الواقعية النافعة بحيث تنقذ الإنسان من أسر التقنية الممرض للجسد والنفس وتحريره من بعض أخطارها المستقبلية المدمرة بشتى السبل ، وطرح مشاريع نموذجية توعوية تكشف المخاطر المترتبة على الإدمان الشبكي وتوجه الى بعض السبل العلاجية الممكنة لاتقاء العبودية الحاصلة لشبكات التواصل الاجتماعي. بتقديم برامج وإعداد ورش والقيام بدورات تدريبية للتجاوب مع الواقعي على حساب الافتراضي والتعاون مع ذوي الاختصاص للإسهام والمشاركة في حملات اجتماعية وإعلامية للتوعية بخطورة الإدمان الإلكتروني. تقودني جلساتي مع شباب العائلة من أبناء وبناء إلى الحوار حول الجنون الالكتروني حيث يبثني كثير منهم همومه حول انجذابه إلى التقنية والإنترنت أكثر مما تجذبه زيارة عائلية أو فرصة للخروج من المنزل دون صحبة جواله أو حاسوبه . بل إن بعضهن وبعضهم لاينفك يتباهى أمامي بمدى قدرته المتواصلة على الاستمرار و متابعة السناب شات طوال اليوم واضطراره شحن جواله عدة مرات في اليوم ، وكأن أدوات الفخر بالأخلاقيات الاجتماعية والثقافية إلى التفاخر بالأخلاقيات التفاعلية ومن ذلك الاتجاه نحو الاستهلاك بشتى أنماطه ومغرياته . لم تعد خطب الوعظ والنصح القائمة خلال الحصص الدراسية أو العقوبات التي يتنافس المعلمون والإداريون في ابتكار سبل جديدة منها لمعاقبة مستخدمي التقنية من الطلبة المتناثرين داخل أقفاص الدرس مؤثرة وليست تلك المحاولات المستهلكة هي التي ستؤدي إلى تقويم الذوات المدمنة من المحيطين بنا .بل إننا في حاجة إلى انتفاضة وطنية واسعة الانتشار. لن تكتفي التقنية بإيقاع بعض مستخدميها في الأسر بل لم تزل تكسبه عادات سلبية مثل الرغبة المستمرة في التسوق والشراء واستهلاك سلع كثيرة متنوعة متعددة وطلبها دون الحاجة إليها. لمجرد محاكاة الآخرين مادعا كثيرا من المستهلكين الإلكترونيين أن يقعوا في مصيدة بعض المتمرسين على السرقات الرقمية والهاكرز ممن تمرسوا في اختراق الحسابات و ويصيروا ضحية الخديعة في البضائع المقلدة كذلك . من وجهة نظري الشخصية أن تلك الاتجاهات السلوكية التواصلية الالكترونية التي ذكرتها فيما سبق ستعمل تدريجيا على تهشيم قاعدة المتانة المعنوية وبناء القيم والمبادئ من سلوك معنوي التي قامت عليها التنشئة الاجتماعية وتحويلها نحو السلوكيات المادية البحتة ومع الوقت فذلك ماأضعف من شأن الذات الفردية لتضحي دون تميز وقد تحكم بها الزر الرقمي. فهل يعي مجتمعنا العربي الغاية الخفية وراء المحاولات الناجحة لإغراقه في عسل التقنية ويحاول إدارتها قبل أن تديره؟ .