كان صرحاً من خيال فهوى مضى على علاقتي بفضيلته مدة تزيد على خمسين عاماً وقد كان صديقاً حميماً لوالدي الذي التقى به وهو رئيس محكمه في المنطقة الشرقية ثم مساعد لرئيس المحكمة الكبرى بالرياض ومن ثم تولى رئاسة المحكمة ثم أميناً عاماً لهيئة كبار العلماء إلى أن تقلد منصب رئيس تعليم البنات وعلاقتي به تمتد وتقوى، وعندما أريد الحديث عنه أتذكر قولاً للأستاذ أحمد الزيات: رجلان يربكان الكاتب عنهما، رجل لا تجد فيه ما تقوله عنه؛ ورجل لا تستطيع أن تختصر ما تعرفه عنه وإطلاق الرجولة على الأول خطأ في اللغة وإطلاق الرجولة على الثاني قصور في التعبير فأي جانب من جوانب حياة هذا الرجل أتحدث عن خلقه وسمته عن تواضعه وكرمه عن رجولته وحسن منطقه عن حبه للناس عن إخلاصه وعن صدقه في ايمانه عن مجالسه التي تمتلئ بالعلم والحكمة وعن رغبته في تقديم الخير للناس. وأذكر أنه بعد إسناد أمانة هيئة العلماء لفضيلته قمت بزيارته والتهنئة والدعاء له وكان بمكتبه في منزل سماحه الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم الواقع على يمين الداخل في شارع الفريان وبعدما لقيت منه حسن الاستقبال والحفاوة والعناية وعندما هممت بالانصراف قال إني ذاهب إلى رئاسة القضاء والتي تقع فيما يسمى بشارع العصارات ومنزلي يقع في حي الوشم ليس بعيداً عن رئاسة القضاء ونهض من مجلسه وقال فرصة تذهب معي وعندما انتهينا إلى منزلي قال رحمه الله ليس لي حاجة في رئاسة القضاء ولكني أردت أن أسعد بصحبتك وسأعود إلى المكتب، وقد انعقد لساني عن التعبير له بما أكنه من احترام وتقدير وتوقير. وقد أفلح في الاستيلاء على قلوب الجميع من حكام ومحكومين وعلماء ومتعلمين وقد قام باستقبال جميع المسؤولين في الدولة في منزله الذي يعمر بالعلم والذكر والمرح والطرف.. وقد كان يتمتع رحمه الله بالقلب التقي ونفس زكيه وكان صنعه للمعروف سجيه بلا تكلف وبلغ تحقيق صفات الكمال والمثل العليا فكان يصل الرحم ويحمل الكل ويكسب المعدوم ويكرم الضيف ويعين على نوائب الحق. وقد لمست هذه الصفات في ذرية الشيخ الذين يتمثل فيهم صفات الكمال النسبي في الادب وحسن الخلق والتماسك والتعاون والمحبة.. امتداد للشيخ الجليل وإحياء لذكراه فذكر الفتى عمره الثاني وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له). وجاء في الحديث أن العبد لترفع له الدرجة بعد وفاته فيقول يا رب من أين فيقال له من دعوة ولدك لك ثم إني على يقين من تمسك ذريه الشيخ بما قاله المصطفى عليه السلام عندما جاء إليه رجل فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بعد موتهما. قال: نعم الصلاة عليهما -أي- الدعاء والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما. أحسن الله عزاءنا في الراحل الكريم محمد عبدالله بن عودة السعوي وجعل في عقبه البركة والسير على منهاج الراحل.