أدبيات الفصل بين شخصية وأداء المدير والقائد عديدة ومتجددة، والأبحاث الحديثة حول (Leadership) تتناول ازدياد أهمية القائد في مواجهة التحديات والتحولات التي تشهدها بيئة الأعمال الحديثة. فإذا كانت سمة القرن الماضي هي السرعة، فإن القرن الحالي يشهد عهد التسارع، وللأسف أن هذه المتوالية الهادرة من الحركة أصبحت تسحق تحت عجلاتها الإنسان وقيمته ودوره كعنصر إنتاجي فاعل. مؤخراً، أقيمت في أبوظبي قمة CNBC لقادة الأعمال، شارك فيها عددٌ من قيادات العمل الخاص في المنطقة، في إحدى الجلسات تناول المتحدثون أهمية الابتكار للشركات في مواجهة الأزمات الاقتصادية التي يشهدها العالم، وأثناء النقاش لفت نظري بعض المشاركات من قيادات القطاع الخاص في المملكة، والذي قال بعضهم إن المعالجات الاحترافية للشركات لا بد أن لا تتجاهل التخلّص من بعض موظفيها لتحقيق الكفاءة وخفض الإنفاق، والحقيقة أن هذا الطرح لا غبار عليه علمياً وتطبيقياً، وكثيراً ما تلجأ إليه الشركات في العالم لمواجهة تحدياتها إيماناً بمبدأ أن يغرق البعض خير من أن يغرق الكل! لكن الحديث عن الكفاءة وخفض النفقات، لا يجب أن يكون انتقائياً من قبل قادة الشركات، خصوصاً تلك التي تجذَّرت في بيئة الأعمال بكل أشكال عدم الكفاءة بدءاً بالدعم الحكومي والسياسة التفضيلية، وليس انتهاءً بغياب الحوكمة...! القائد وليس المدير، هو من يستوعب التحديات التي تواجهها بيئة الأعمال، ويستطيع استثمار طاقة الأزمة في تحفيز الأداء وتطويره، وإقناع مرؤوسيه بجدارته في استلهام الحلول. الشعور بالإنسان وقيمته أهم سمات القائد، فهو يدرك أن وجوده في المنشأة ليس مجرد رقم، وأن قناعته بقائدة ومنظمته تتطلب تضحية ومواقف، ولذا كان لبعض القادة في الأزمات مواقف مشهودة، حين اتخذ أحد الرؤساء التنفيذيين قراراً بالتخلّص من عدد من موظفي الشركة لتكمل السفينة فلا تغرق، ليتفاجأ الموظفون أن اسم الرئيس التنفيذي على رأس قائمة المسرَّحين من العمل! في بيئة العمل المحلية والعربية، للأسف لا تجد المقرّبين من المدير أو الرئيس التنفيذي سوى من يتطابقون مع وجهة نظره ورؤيته، والأشد قرباً هم من يتماهون معها لتصبح أخطاؤها صواباً، لذا فإن هذه المؤسسات والمنظمات تؤول إلى الفشل، وتلفظها الأسواق حين تشتد الأزمات الاقتصادية، وتبرز الكفاءة وفهم تحولات الأسواق كمنقذ وحيد!