خلال استعراض نتائج الاختبارات الوطنية "نافس 2024 "..الدراسات تظهر تحسّن أكثر من 60٪؜ من مدارس التعليم العام    القبض على مواطنَيْن بجدة لترويجهما 4 كيلوجرامات من الحشيش    لمسة وفاء.. خالد بن تركي العطيشان    الجدعان يترأس وفد المملكة في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين للعام 2024م    رئيس أرامكو يدعو إلى إصدار محدّث 2.0 لخطة تحوّل الطاقة مع التركيز على احتياجات قارة آسيا    هطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    وصول الطائرة الإغاثية السعودية التاسعة لمساعدة الشعب اللبناني    اليوم أعمال النسخة السابعة من ملتقى الصحة العالمي في ملهم    الصين بصدد دفع برامج الدكتوراه في تخصصات العلوم والهندسة والزراعة والطب    مجموعة بريكس .. دول رفاق في رحلة التنمية والتنشيط    نائب أمير الرياض يرعى حفل جمعية أصدقاء لاعبي كرة القدم الخيرية (أصدقاء 34)    هل يوقف «البنفسجي» سلسلة انتصارات «الزعيم»    نور يحتفل بانتصار العميد مع أحفاد اللامي    «البلسم» تختتم حملتها في أوزبكستان وتنجح في إجراء 88 جراحة قلب وقسطرة تداخلية للكبار    السعودية وأمريكا.. علاقات إستراتيجية    «الاستثمارات العامة» يؤسّس «سارك» للحلول السكنية للعاملين    1,776 سلة غذائية وحقيبة صحية للمحتاجين في إدلب    أمانة جدة تستعيد 27.5 ألف م2 من الأراضي الحكومية على الواجهة البحرية    تعزيز التعاون البرلماني بين «الشورى» و«الشيوخ الفرنسي»    العروبة يقلب الطاولة على الاتفاق في دوري روشن للمحترفين    محمد عبدالله المناعي.. أول بحريني يدرس صياغة الذهب    الرقابي يرفع شكره للقيادة لإقامة مسابقة حفظ القرآن في موريتانيا    4 مكملات غذائية تعزز مناعتك !    57 % من الموظفين يتعرضون للضغط العصبي.. و19 % يسعون للعلاج    5 نصائح للحفاظ على نظافة أغطية السرير    انتخابات أمريكا والملف الاقتصادي الملتهب !    مجزرة إسرائيلية جديدة تودي بحياة عشرات الفلسطينيين    خدعة أكبر سمكة قرش في العالم    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثامنة لمساعدة الشعب اللبناني    القيادة تعزي ملك البحرين وتهنئ رئيس أذربيجان    أقسام الإعلام ومعضلة امتداد التخصص    محافظ جدة يطلع على برامج "المبادرات المتميزة"    أمانة جدة والازدحام المروري    أمير القصيم يستعرض الإستراتيجية التنموية    نائب أمير مكة يطلع على إستراتيجية "إعمار المدينة الاقتصادية"    الاستثمار في المستقبل    من الأزل والتيه هو اللعبة    الكتب.. طبيبك للتعافي بالقراءة    الشهر المميز    الذكاء الاصطناعي يخرج أفلام الرعب    «شين وقوي عين»    الخيانة بئست البطانة    « نجانو وإبلين وسايبورغ» أبطالًا لنزال «معركة العمالقة» بالرياض    في انطلاق الجولة السابعة من دوري يلو.. صدارة نيوم في اختبار الصفا.. والنجمة والعربي في ديربي عنيزة    الإيطالي سينر يتوج ببطولة "The six Kings Slam" في الرياض    السعال المزمن قد يكون وراثياً    تدشين مبادرة الشرقية تبدع    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود الصناعة    نجران تستقبل مبتكرا لعلاج السرطان    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُفعّل "اليوم العالمي للصيدلة"    "الأمر بالمعروف" في منطقة الباحة يفعَّل محتوى برنامج "تعزيز دور الأسرة في الوقاية من المؤثرات العقلية"    الفضلي يلتقي عددًا من المزارعين ويزور مركز المكافحة الحيوية وإنتاج النحل بالقصيم    رضا المستفيدين بالشرقية يبدأ المسح الميداني لاستطلاع الرضا من خدمات الضمان الاجتماعي    مسابقة خادم الحرمين لحفظ القرآن في موريتانيا تنظم حفلها الختامي    القيادة تعزي ملك مملكة البحرين في وفاة الشيخ حمود بن عبدالله بن حمد بن عيسى آل خليفة    مفتي موريتانيا: مسابقة خادم الحرمين لها أهمية بالغة في خدمة الدين    إطلاق 15 ظبي ريم بمتنزه واحة بريدة    السعودية إنسانية تتجلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورتريه
نشر في الجزيرة يوم 14 - 05 - 2016

هو يقول: «لا يليق بي أن أقضي العمر كله مسافراً إلى مدينة.. ثم لا أجدها في استقبالي.. أن تنتهي علاقتي بها قبل أن تبدأ، و أنا القادم محملاً بالأمنيات في تأسيس ذاكرة جديدة وأشواق مكتملة» لذلك هو يشعر دائمًا أنه وطن بلا خريطة.. كبر كما تكبر الكثير من الأمنيات في أماكن لا تشبهها.
بين حارات جدة القديمة التي جاءها صغيراً نشأ كعود قصب، أطل برأسه من فتحة القدر ليجد نفسه يحمل عبء تاريخه، والمسافة التي تتباعد في كل مرة عن تلك المدينة التي يتلمس معالمها في قلبه ولكنه لم يسمع غناءها من قبل.
حتى عندما كبر واكتشف صدفة أن له وطن آخر في ركن بعيد عن حارته لم ينكسر.. بل زاد شغفه.. وكبر الحلم فوق صدره كما تنمو الأعشاب على حواف الأنهار.
كانت كل تساؤلاته عن الغربة.. والإنسان.. والوطن.
ظل متماسكًا يفكر في ألوان بلاده.. والنشيد.. ويرسم خريطة يبدأ منها وينتهي إليها.
من يومها و«حجي جابر» يعتني كثيرًا بالخرائط.. يتحسسها جيدًا لعله يجد مدينته التي كان يسمع عنها في حكايات أمه وهي تصف له الطرقات الحزينة، والحقول، والمنازل التي لم تغادر معهم. حجي وطن كبر واتسعت مساحته بين مدينتين.. «جدة» التي تشربها في كل خلاياه و«مصوع» المدينة الغائبة في ذاكرة شخص آخر والتي لم يجدها إلا في وجه «سمراويت».
عندما ذهب ليعمل في قناة الجزيرة كصحفي مهتم بشأن الإرتري حفظ كل شيء عن وطنه.. المساحة وعدد السكان والتضاريس والحدود. ولكنه اكتشف أن ثمة ما هو أهم من التفاصيل الجامدة.. هناك دائماً الإنسان الذي يمنح الأوطان بعدًا آخر ومعنى أصيل.. فبلا إنسان تظل الأوطان مجرد صفحة لا قيمة لها في كتاب الجغرافيا.
كل الذين قرأوا لحجي جابر كانوا يذوبون معه -في تفاصيله التي يعتني بها والمسافات المشبعة بالشجن- كما تفعل الشمعة في الظلام. فهو كاتب يتمدد بشراسة ويندفع كنهر «القاش» متجاوزاً كل عقبات الكتابة المرهقة ليجعل من حكايته نشيداً وسماء بلا ضباب.
كتب عن وطنه الغائب باقتدار.. ورسم وجوه «الإرتريين» وكأنه قطعة ملح فوق موائدهم. في كل أعماله كانت «إرتريا» حاضرة .. كتبها من هنا وهي هناك.. ولكنه كتبها بصدق.
فازت روايته «سمراويت» بجائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2012.. ليصدر بعدها «مرسى فاطمة» ومؤخرًا «لعبة المغزل».
يقول الكاتب «محمد ديريه» عن رواية سمراويت (سمراويت .. عمل سيتذكره الإريتريون الناطقون بالعربية لأجيال عديدة، فهو الوحيد الذي تكلم باسمهم جميعا ولملم خيوط الحكاية باقتدار).
حجي جابر.. روائي من فئة الذين يجعلونك تشعر بالشبع.. مقنع لدرجة السعادة، يخيل إليك من بساطته أنه يكتب وهو يركب حافلة النقل العام أو يجلس في مقهى شعبي مزدحم بالعابرين. حجي.. يشبه كل الذين ولدوا وراء الخطوط الهامشية.. مثل البسطاء الذين يطاردون الباعة المتجولين بين الزحام.. طفل غاية أحلامه دراجة وكرة أو حذاء جديد لعيد قادم.
هكذا هم أبناء الحارات .. مجموعة من خلايا متشبعة بالإنسانية .. تسكنهم أوجاعهم حتى آخر المشوار..
يقول عن الأوجاع وحدها الأوجاع تصلح ذاكرة بديلة، أو تاريخًا موازيًا، نستند إليه حين يعيينا الوقوف فرادى في طريق طويل وموحش.
حجي رجل عاش طفولته فوق بساط الحياة الأصيلة التي تقفز صباحاً فوق أسوار الأزقة المالحة وتغفو مساء بين حكايات الجدات عندما تتحدث إليه يسرقك ذلك الهدوء العميق داخله.. يخرج كلماته صادقة من بين أضلعه.. يسبقك إليك قبل أن تصل إليه، وكأنه يعلم جيداً، أو هو يعلم حقيقة أن العمر لا يستحق أن يكون ضحية لتلون الأقنعة. في عينيه وهج مدهش كذاك الذي نلمحه صدفة في أعين الأطفال وهم يحتضنون الحياة بلا خوف.. لا زال يرسم خطًا يصله بذاكرة أجداده هناك؛ يريده بلا تعرج.. ينطلق في خط مستقيم ليصل سريعًا إلى وجهته.. فالعمر لم يعد يحتمل المسافات البعيدة والمنحيات القاسية.
حجي جابر إرتري جاء متأخراً.. ولكنه استطاع أن يعوض روحه كل سنوات الشتات.. ربما أراد أن يكفر عن ذنب لم يقترفه.. وربما أراد أن يعود لوطن اللحظات الأولى ويبدأ من جديد قصة وطن عاش جميلاً بين مدينتين.
- محمد عسيري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.