ودع المشهد الوطني أمس الأول في مشهد تشييعي مهيب المؤرخ والأديب عبدالله الصالح العثيمين، بعد مسيرة وسيرة حافلة بالعطاء، إذ ألف العثيمين في تخصصه – التاريخ – العديد من المؤلفات، إلى جانب ما حققه في هذا المجال، إضافة إلى ما ترجمه من دراسات تاريخية عن الإنجليزية إلى العربية، ما جعل من مؤلفات العثيمين تأتي على درجة علمية من التحقيق والتوثيق والتثبت من المصادر التاريخية لما رصده في مؤلفاته، إلى جانب ما استحضره في مؤلفاته من الأحداث التاريخية الوطنية من خلال الشعر «الشعبي» بوصفه مصدرا للمعلومة التاريخية التي يمكن اعتباره مصدرا لها. لم يكن إسهام العثيمين التاريخي محصورا في التأليف، بل تميز جهده في هذا الجانب بالتنوع عبر عدة مسارات، إذ جاء إلى جانب ما ألفه من كتب، إسهامه العلمي في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود، وذلك من خلال الدرس الأكاديمي، وعبر مسار البحوث التاريخية المحكمة التي نشرها عبر العديد من المجلات العلمية، إلى جانب إسهامه من خلال مشاركته في المؤتمرات والندوات العلمية التاريخية محليا وعربيا. لقد ارتبط اسم عبدالله العثيمين ارتباطا وتثيقا بأمانة «جائزة الملك فيصل العالمية» الأمر الذي جعل من العثيمين صوتا حاضرا في أسماع التميز العالمي عبر خمسة فروع للجائزة مما يجعل ترقب المؤسسات والأفراد في ترقب سنوي للتعرف على الفائزين في فروع الجائزة من مختلف أقطار العالم الذي جعل من عبدالله العثيمين صوتا وصورة حاضرا في مشهد التميز محليا وعربيا ودوليا، ليظل العثيمين – رحمه الله – اسما حاضرا في ذهنية المشهد العلمي، قرابة الثلاثة عقود، ما جعل من هذا الحضور المختلف مكونا هاما في مسيرة ابن عثيمين العلمية والعملية. وإذا كان عبدالله العثيمين عرف بالأكاديمي والباحث والمحقق والمترجم في مجال التاريخ الذي أصبح فيه علما من أعلام المؤرخين لسعوديين، فقد عرف عن العثيمين – أيضا – بأنه أحد أعلام الشعر في المملكة، إذ عرف عبدالله العثيمين بأنه أحد أبرز شعراء الاتجاه التقليدي في الشعر السعودي، إذ ظل العثيمين في مختلف دواوينه ينظم القصيدة العمودية التي يسير فيها على نهج المدرسة الإحيائية، مقلدا في نهج القصيدة لأبرز الشعراء في عصور الأدب العربي الأولى وفي مقدمتها العصر العباسي، إذ كتب العديد من المعارضات الشعرية لعدد من الشعراء كأبي تمام والمتنبي، ومحمود سامي البارودي صاحب مدرسة الإحياء وغيرهم ممن انتهج المحافظة على بناء القصيدة العربية. ولقد أصدر عبدالله العثيمين عدة دواوين شعرية طرق من خلالها على نهج بناء القصيدة العربية متخذا من الصورة الشعرية نوافذ للتجديد في طرق المعاني التي غالبا ما اقترنت بأصالة، إلى جانب ما كان يتميز به تقديمه للفائزين ب»جائزة الملك فيصل العالمية» إذ كان ما يقدم لهم مهنئا بأبيات شعرية من تأليفه، والتي ضمنها ديوانه (صدى البهجة). لقد كان العثيمين – رحمه الله – شخصية محط أنظار التكريم والإعجاب على المستوى الفردي وعلى المستوى المؤسسي – أيضا – فلقد جاء من بين الوقفات التكريمية للعثيمين، أن كرمه منتدى ثلوثية بامحسون بوصفه «الشخصية المكرمة» لعام 2013م حيث عقب المحتفى به قائلا: «هذا الماثل أمامكم، البالغ من الكبر عتياً، يجد أنه غير قادر على التعبير عن شكره الجزيل لمن تفضلوا بتكريمه ممثلين بمنتدى الدكتور عمر بامحسون والأخ الكريم عبدالله باحمدان، ومن تلطفوا بالحديث عنه، وهم الذين أسعد وأعتز بصداقتهم، الأحبة الزملاء الدكتور عبد العزيز الهلابي والدكتور محمد الهدلق والدكتور عبد الرحمن الشبيلي والأخ العزيز سعد البواردي». «إني لعاجز - أيضاً - عن التعبير عن الشكر لمن شرفوني بالحضور، وكنت قد سجلت بعض الأشياء، ولكني كما أنا عاجز عن التعبير عن الشكر فإني عاجز عن أن أضيف أي كلمة على ما قاله إخوتي الأعزاء؛ فللجميع الشكر، وللجميع التقدير». هكذا كان العثيمين – رحمه الله – العالم المتواضع قلبا وقالبا، يظهر في مختلف المناسبات العالم الودود الوقور المحب للغته وثقافته وإبداعه، وأدبه الخلقي منه والشعري.