فاجعة تنتزع ابتسامتك بقسوة وكأنها تُعيدك للحياة بشكل مريع، فاجعة تسلب منك آخر شخص تظن أنك قد تفقده وهو في عز شبابه. ففي ذلك المساء ومع حلول الساعة الحادية عشرة أو قد تزيد قليلاً دخل علينا خالي أبوفيصل وكان دخوله قد أربك مشاعرنا؛ فحضوره لنا في هذا الوقت من الليل ودون علم مسبق أو اتصال بجوال وبدخول مفاجئ على غير العادة جعل من الأمر عجباً، وكانت الحيرة لدى الجميع والقلوب وجلة تنتظر حدثاً ما أو سببا لهذه الزيارة الغريبة المفاجأة على غير العادة التي تم التعود عليها سابقاً لكنه طمأن الجميع وبحضور والدته التي ظل قلبها يخفق منتظراً ماسيقول وقال سأرابط في [الحد الجنوبي ] غداً مشاركا زملائي في الدفاع عن وطني وجئت للسلام على والدتي، وأكون قريباً منها قبل سفري وأحظى منها بدعوات تكون نوراً لي وحصنا بعد الله، وألتمس رضاها ورضى والدي حفظهم الله جميعاً ثم جلس بقربي وشاركني قهوتي، تسامرنا وضحكنا قليلاً وفي غضون ثواني لملم حاجياته وقبل جبين والدته والتثم يدها ولم نعلم انه الوداع الأخير، وأنها آخر اللحظات التي سنراه فيها. وخرج وكان خروجه من المنزل بمثابة خروج من الدنيا حيث لم يعد إلينا ثانية فلم تمض سوى أقل من 72 ساعة حتى رنت نغمة الجوال بالرسالة الفاجعة التي مزقت القلوب واغرقت العيون بالدموع، ولكنها إرادة الله ولا راد لقضائه، والصبر هو المطلب في مثل هذه المواقف، وكان نص الرسالة: انتقل إلى رحمة الله تعالى (خالد محمد عبدالرحمن أبوحيمد) مجاهداً في سبيل الله وحماية وطنه. لقد رحل خالي صاحب القلب النقي والوجه البشوش والابتسامة التي لا تفارقه أبداً بعد أن دافع عن أرض وطنه وأرضى ربه والتمس رضى والديه. وخلف من بعده من هم سيسيرون بإذن الله على نهجه. فكل من في هذا الوطن الغالي جنود للدفاع عنه. رحل خالي أبو فيصل وعزاؤنا اننا نحتسبه عند ربه من الشهداء إن شاء الله. غفر الله له وجمعنا به في مستقر رحمته، وعزاؤنا أن الموت حق، وأنه جندي من جنود الوطن وشهيد بإذن الله، وستبقى ذكراه في أبنائه من بعده ليخلدوا ذكرى أبيهم وبطولته للذود عن وطنه وإخوانه وأبناء بلده مع جنود بواسل نذروا أنفسهم للدفاع عن وطنهم من كل عدو يريد النيل منه. طبت حياً وميتاً أبا فيصل فلك منا الدعاء أن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وأن ينصر جنودنا، وأن يحفظ الله وطننا وقادتنا من كل سوء، وأن يبعد عن بلادنا كل حاقد أو من يريد الشر بهذا الوطن.