تعمل دول مجلس التعاون الخليجي حالياً على قدم وساق لإعداد الأدوات التشريعية والقانونية داخل كل منها استعداداً لتجهيز البيئة الخاصة بتنفيذ النظام الموحد لضريبة القيمة المضافة والتي تُعرف اختصاراً ب VAT، وذلك تمهيداً لتطبيق الضريبة المرتقب بحدٍّ أقصى في عام 2018 وبنسبة 5 %، لتحل محل الرسوم الجمركية ورسوم الخدمات التي تُعتبر مصدراً لإيرادات الدول الأعضاء غير النفطية، علماً بأن الإطار العام لموضوع الضرائب سيوضع بحيث لا يتعارض مع الأنظمة الضريبية المحلية لكل دولة. وأوضح عبيد الطاير وزير الدولة للشؤون المالية الإماراتي، أن بلاده تنتظر الاتفاق مع باقي دول مجلس التعاون بشأن الضريبة المضافة خلال شهر يونيو المقبل، ويتم التطبيق حسب قرار المجلس الأعلى للقادة في الفترة من شهر يناير 2018 إلى يناير 2019. وأضاف أن الإمارات لا تزال في المراحل الأولى لدراسة إقرار ضريبة على الشركات لمعرفة تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية على المجتمع، لافتاً إلى أنه ليس هناك إطار زمني حتى الآن للبدء في تطبيق ضريبة الشركات، كما أنه لا يوجد مسودة قانون بهذا الشأن. ولفت الطاير، في مؤتمر صحفي عقده في دبي أمس بمشاركة كريستين لاغارد مدير عام صندوق النقد الدولي وبث عبر «وام»، إلى أن تطبيق الضريبة المضافة على السلع قد تسهم بزيادة الدخل القومي نسبة 5 في المائة سنوياً، مشيرا إلى أن دول مجلس التعاون متفقة على ألا تفرض هذه الضريبة على قائمة تضم 100 سلعة غذائية. والمعلوم أن ضريبة القيمة المضافة تفرض على الأرباح المضافة على السلع والخدمات، كضريبة مركبة على الفارق بين التكلفة وسعر البيع. ومن المتوقع أن يلعب النظام الضرائبي في حال تطبيقه دوراً فعلياً في ارتفاع دخل دول المجلس ويحد من التشوهات الاقتصادية التي قد تطرأ في المنطقة مستقبلاً، خصوصاً أن حاجة دول الخليج إلى ضريبة القيمة المضافة تتمثّل في أنها ستفقد جزءاً من إيراداتها الجمركية مع اتساع اتفاقيات التجارة الحرة مع دول العالم، إلى جانب أن دول المجلس ليست كلها غنية وتحتاج إلى إيرادات جديدة، خصوصاً في ظل تقلب أسعار النفط والغاز، لذا فهي تهدف من تفعيل الموارد الضريبية إلى تقليل اعتمادها الكبير على العائدات النفطية، إضافة إلى إصلاح النظام المالي وتنويع مصادر الإيرادات الحكومية من خلال النظر في مصادر ضريبية مختلفة.. كما أن النظام في حال تطبيقه سيسهم في تحسين التصنيف الائتماني للدول الأعضاء، ما يعزز مكانتها في حال الاقتراض المستقبلي. من جهتها، كررت كريستين لاغارد دعوتها دول مجلس التعاون إلى فرض ضرائب غير مباشرة من بينها «الضريبة المضافة» على السلع والخدمات لمواجهة انخفاض مدخولاتها نتيجة تراجع أسعار النفط. وقالت إن البديل لتوفير مصادر إضافية للدخل القومي لدول الخليج هو فرض ضرائب غير مباشرة بدلاً من الاتجاه نحو الاقتراض لتعويض انخفاض إيرادات النفط لتمويل الخدمات مثل الضمان والصحة وتحسين قطاع التعليم ومنابر الابتكار من أجل استقطاب المواهب ومساهمتها في تحريك عجلة الاقتصاد في سبيل تحقيق الاستدامة، داعية في هذا الصدد دول المجلس إلى تحقيق هذا الهدف عبر البدء في وضع نظام بسيط يركز مبدئياً على ضريبة القيمة المضافة، فمن الممكن أن تحقق إيرادات تصل نسبتها إلى 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. كما حثت في الوقت نفسه على زيادة التركيز على ضرائب دخل الشركات إلى جانب الضرائب العقارية والرسوم المخصصة، وكذلك مواصلة الاستثمار في بناء القدرات المتخصصة في إدارة الضرائب مما يمكن أن يسمح باستحداث ضرائب الدخل الشخصي في نهاية المطاف. وأضافت: «إننا نحتاج إلى نظام ضريبي يقتنع في ظله المواطن العادي بأن الشركات متعددة الجنسيات تساهم بنصيب عادل في الحافظة الحكومية لما فيه الصالح العام». وفي الوقت ذاته، سلطت لاغارد الضوء على أهمية مواصلة ضبط أوضاع المالية العامة تدريجياً عن طريق زيادة الإيرادات غير النفطية والتخلص تماماً من دعم الطاقة، فضلاً عن ضرورة الحفاظ على الاستقرار المالي ومواصلة تنفيذ الإصلاحات التي تعزز النمو. وأفادت أن البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خسرت في العام الماضي أكثر من 341 مليار دولار من إيراداتها النفطية في موازناتها العامة، وهو ما يصل نسبته إلى 21 في المائة من إجمالي الناتج المحلي المجمع لهذه البلدان، كما أن عوامل العرض والطلب ترجح استمرار انخفاضها لفترة ممتدة، منبهة إلى أنه نظراً لحجم هذه الصدمة الخارجية ومدى استمراريتها المرجحة سيكون على كل البلدان المصدرة للنفط أن تتكيّف مع هذا الانخفاض بالحد من الإنفاق وزيادة الإيرادات، وبالطبع تتفاوت احتياجات التكيف المالي من بلد إلى آخر. وشددت لاغارد على أن معظم الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بفضل سياساتها الرشيدة قادرة على تحقيق التكيف بوتيرة تمتد عدة سنوات مما يخفف الأثر على النمو، قائلة: «أنا على ثقة من قدرتها على أداء هذه المهمة». ونبهت إلى أن هذه الاقتصادات تحتاج إلى إعادة تصميم نظمها الضريبية وتعزيز أطر ماليتها العامة عن طريق تخفيض اعتمادها الشديد على الإيرادات النفطية وتعزيز مصادر إيراداتها غير الهيدروكربونية، ومن شأن هذا أن يدعم النمو وخلق فرص العمل، كما يساعد في نفس الوقت على تعزيز صلابة البلدان واحتفاظ بالدين في حدود يمكن تحملها، ويتيح هذا أيضاً فرصة فريدة لتصميم نظم ضريبية تركز على العدالة والبساطة والكفاءة. وبينت لاغارد، أن كثيراً من البلدان في حاجة ماسّة لتوليد إيرادات أعلى وأكثر استقراراً وإن لم يكن لنفس السبب بالضرورة، موضحة أنه على سبيل المثال تعمل البلدان المصدرة للنفط على التكيف مع واقع جديد يتميز بانخفاض أسعار السلع الأولية، وتحتاج البلدان النامية إلى مزيد من الإيرادات المولدة محلياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الجديدة، كما تحتاج بعض الاقتصادات المتقدمة لا سيما في أوروبا إلى زيادة إيرادات ماليتها العامة لدعم تعافيها الاقتصادي واستقرارها المالي، لافتة إلى أن نجاح الاقتصادات في القرن الحادي والعشرين يعتمد على النظام الضريبي الدولي الذي يُعد وسيلة ضرورية تستطيع من خلالها الحكومات تعبئة إيراداتها في اقتصاد تحكمه العولمة. وأشارت لاغارد، إلى اتفاق مجموعة العشرين مؤخراً بشأن تدابير لمنع «تآكل القواعد الضريبية ونقل الأرباح» وهو ما يُسمى اختصاراً «مشروع BEPS « الذي تقوده منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، معتبرة إياه خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لأنه يسعى لمنع الشركات متعددة الجنسيات من تحويل الأرباح بشكل صوري إلى الأماكن التي تطبق ضرائب منخفضة. وقالت إن مشروع BEPS يُعد تطوراً إيجابياً للبلدان التي تسعى لحماية قواعدها الضريبية الوطنية وتطوراً سلبياً بالنسبة إلى إستراتيجيات التحايل الضريبي في الشركات.