مناورة (رعد الشمال) التي أعلنت المملكة عن إقامتها في شمال البلاد، ويشارك فيها عشرون دولة إسلامية، هي ليست مجرد مناورة عسكرية تدريبية فحسب، وإنما هي أكبر مناورة من حيث عدد المشاركين تجري في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه تحمل رسالة مكثفة في معانيها وإرهاصاتها، موجهة للعالم أجمع، وللصديق قبل العدو، مؤداها أن المملكة، في عهد الملك سلمان، تقوم بدور إقليمي جديد ومختلف، يتخذ من الحزم والعزم والحسم ثوباً جديداً، ويواكب التحديات، ويتماهى مع مستجداتها، بالشكل والمضمون الفعلي الذي يجعل بلادنا تواجه ولا تهادن، وتقاوم ولا تسامح؛ وتقوم بدورها الإقليمي في مواجهة الأخطار المحدقة بها كما بجب أن تكون المواجهة، خاصة وأن أسلوب التهدئة والجنوح إلى التسامح الذي كان ديدنا للسياسة السعودية الخارجية خلال العقود الماضية لم يعد يُجدي، بعد أن فسَّره كثيرون، خاصة من الأعداء المتربصين بنا، أنه دليل على (الضعف)، عسكرياً وسياسياً، وعلى رأس هؤلاء (العدو الفارسي) أو الطاووسي المنتفش، سيما بعد أن وقعت معه الدول الأقوى في العالم الاتفاقية النووية، ظن أنه الأقوى في المنطقة، فتوهم، وأوهم شعبه معه، أنه الفارس الذي لا يُشق له غبار، وكذلك الأمر ببقية الدول العربية التي تدور في فلكه، ويمسك بتلابيبها، منتزعاً استقلالها وسيادتها، مثل العراق المحتل إيرانيا، وسوريا الأسد السفاح ، ولبنان الذي يسيطر عليه وعلى قراراته السيادية الحزب الإيراني العميل (حزب الله) والمنضوون تحت سلطته وإمرته، من الأحزاب اللبنانية الانتهازية، التي لا يهمها لبنان ولا استقلاله وسيادته واستقراره ومصالحه بقدر ما يهمها مصالحها الحزبية والطائفية الضيقة. وقد علَّمنا التاريخ، من خلال صراعنا كعرب مع الفرس، منذ (ذي قار) قبل الإسلام، وطوال العصور الإسلامية، أنهم لا يرعوون إلا بالقوة، ويتهربون من المواجهة، فيبدو أن هزيمة نظام صدام حسين لهم، جعلتهم لا يقاتلون ولا يواجهون بأنفسهم، وإنما من خلال آخرين؛ ومن كان هذا نهجه، فإنه يفر من المواجهة المباشرة، فرار الإنسان الرعديد الجبان من الموت. وعندما أعلن الأمير الشاب «محمد بن سلمان» عن قيام الحلف الإسلامي العسكري للحرب على الإرهاب، لم يأخذه كثيرون ومنهم الإيرانيون، جديا، وفسَّره آخرون على أنه مجرد مناكفة سياسية موجهة لإيران ومن يدور في فلكها، ولن يكون واقعا على الأرض. مناورة (رعد الشمال)، وإقامتها فعلياً، والمملكة ومعها دول التحالف العربي لم تنته بعد مبادرتها العسكرية في اليمن، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن (عاصفة الحزم) حينما عصفت بأذناب إيران في اليمن، لم تكن مجرد حرب ستضع أوزارها، وتنتهي تبعاتها، باليمن وإعادة الشرعية، وإنما هي موقف إستراتيجي جديد، ذراعه العسكري منظومة سياسية وعسكرية تقوده المملكة، هدفها مواجهة إيران، وحلفائها، في كل أصقاع العالم العربي والإسلامي، لتحاصر رغباتها التوسعية وتدخلاتها في بلاد العرب، وفرض نفسها على المنطقة كالقوة الإقليمية المسيطرة الأولى، إلى درجة أن أحد ملاليها الحمقى والمغفلين تبجح بقوله إن إيران تسيطر على أربعة عواصم عربية، بعد قيام الحوثيين وعلي عبدالله صالح بانقلابهم، مما فضح على رؤوس الأشهاد، وبلسان أحد ملاليهم، مآربهم وخططهم التوسعية في المنطقة العربية. وأنا على يقين أن التغول الإيراني الذي لم يعرف كيف يواجه (عاصفة الحزم) في اليمن، الذي يبدو أنه تفاجأ بها، هو الآن يعيش مفاجأة أخرى، وهو يرى نفسه ومعه العراق وسوريا ولبنان، محاصراً سياسياً، وكان يعتقد أنه الأقوى ذو الهيبة الإقليمية، وإذا به يتقزم، وينحسر نفوذه، ليشعر أن كل استثماراته السياسية والمالية طوال العقود الماضية، سيخرج منها بخفي حنين. فتأكد ساسته والمخططون له صحة القول المأثور (اتق غضب الحليم، فإنه سيكون كالبركان حين يثور)؛ أما نحن السعوديين، فنشعر الآن بدورنا الريادي العربي والإسلامي، كما لم نشعر به من قبل. وللإخوة الفلسطينيين وفصائلهم التسع، بمن فيهم فتح القومية، حماس المتأسلمة، أقول: من العار أن تنشقوا عن العرب في معركتهم مع الفرس، وتشدوا رحالكم لتهنئة «الخامنئي» في ذكرى الثورة الخمينية، فمن لا يقرأ التاريخ، ولا يتعظ به، فلن يحرر أرضا، ولن يقيم دولة، فالانتهازيون، ومن يصطادون في الماء العكر يخسرون دائما، كما يقول التاريخ؛ دعونا نواجه عدونا الفارسي، وسندعكم تواجهون عدوكم الصهيوني، وسنرى النتيجة في نهاية المطاف. إلى اللقاء.