يتهافت المصرفيون المعنيون بسوق السندات على جذب صفقات من الجهات السيادية الخليجية التي تواجه وضعا متأزما والمتوقع أن تجمع تمويلات قياسية العام الحالي لتغطية العجز المتنامي في موازناتها. ذلك أن دول مجلس التعاون الخليجي تحتاج على الأرجح لأكثر من 250 مليار دولار خلال العامين القادمين تجمعها بوسائل مختلفة مع سعيها لمواجهة تداعيات هبوط أسعار النفط. وقال ماتياس أنجونين، محلل المخاطر السيادية في وكالة موديز للتصنيف الائتماني لخدمة (آي.إف.آر) «نقدر الآن أن إجمالي العجز في موازنات مجلس التعاون الخليجي في 2015 - 2016 سيقترب من 265 مليار دولار وهو ما يفوق التقديرات السابقة.» وأضاف «ذلك لا يشمل الديون التي تحتاج إلى إعادة التمويل ومن ثم فإنَّ الاحتياجات التمويلية ستتجاوز ذلك على الأرجح». صحيح أن الكثير من هذه الأموال سيتم جمعه عبر عمليات بيع أصول وفرض ضرائب جديدة بما في ذلك التطبيق المقترح لضريبة القيمة المضافة في الإمارات العربية المتحدة، إلا أن أسواق السندات ستصبح أيضاً مصدرا مهما لجمع الأموال. ويقول مصرفيون إن الجهات السيادية قد تجمع ما لا يقل عن 15 مليار دولار من السوق العالمية العام الحالي. وقالت إيمان عبد الخالق، المديرة بوحدة أسواق رأس المال المدين بالشرق الأوسط في سيتي جروب «نتوقع العام الحالي المزيد من الإصدارات السيادية من المنطقة.. بعض المقترضين يهتمون بالسعر أكثر من غيرهم ويتطلعون إلى اقتناص فرص التمويل الجذابة». ومن المرجح أن تخطف السعودية الأضواء حيث راجت شائعات كثيرة بأن الحكومة ستدخل السوق العالمية للمرة الأولى في صفقة طال انتظارها. ويعتقد بعض المصرفيين أن السعودية ستسعى لجمع ما لا يقل عن خمسة مليارات دولار من السوق العالمية العام المقبل لتكمل بها تمويلاتها من السوق المحلية التي دخلتها في يوليو تموز 2007. وتقول مصادر إن دخول السعودية المتوقع إلى السوق الدولارية في 2016 دفع بالفعل البنوك العالمية الكبرى التي تتطلع لاقتناص التفويض إلى البحث والتقصي لمعرفة نوايا المملكة. وقال مسؤول معني بأسواق رأس المال المدين في بنك راجت شائعات انه خاطب الحكومة بالفعل «بالنسبة للسعودية، هل ستسمن الخمسة مليارات دولار أو ستغني من جوع؟ بالطبع لا.. لكنها فرصة لتنويع مصادر تمويلاتهم». لكن لا يقتنع الجميع بأن السعودية ستصدر ما يأمل به المصرفيون. فيقول مصرفي معني بالسندات في الإمارات العربية المتحدة «سربت السعودية أنها ستبرم صفقة كبيرة... ولن أتفاجأ إذا طرحوا (صفقة حجمها أقل من) مليار دولار ولقوا استجابة هائلة». مجلس التعاون الخليجي يستنفد سيولته ما من شك يذكر أن ندرة دخول السعودية للسوق وتصنيفاتها الائتمانية تعني أنها ستمضي بسهولة في الصفقة حتى وإن كانت قيمتها خمسة مليارات دولار. لكن البعض قد يرى أن الأمر أكثر صعوبة مما يبدو. وتوقع بعض المصرفيين أن تكون سلطنة عمانودبي والبحرين وحتى الكويت من بين المصدرين المحتملين لأدوات الدين. ويأتي احتياج حكومات دول مجلس التعاون الخليجي لأكبر تمويلات تحتاجها في سنوات في وقت صعب يمر به مستثمرو المنطقة. وتستنزف البنوك الخليجية سيولتها مع تأثرها أيضاً بتداعيات هبوط أسعار النفط. وأبرز مثال على ذلك هو بنك أبوظبي الوطني الذي شهد هبوطا في الودائع الحكومية بمقدار 13 مليار دولار في 12 شهرا حتى أكتوبر - تشرين الأول مع سعي الحكومات لتعزيز أوضاعها المالية. وأثر الهبوط الحاد في السيولة تأثيرا كارثيا على إصدارات السندات الجديدة وكان بنك أبوظبي التجاري أكبر ضحاياه، إِذْ اضطر البنك إلى إلغاء إصدار بعد إعلانه السعر الاسترشادي في سبتمبر - أيلول. وتعثرت صفقات أخرى في ظل طلبات اكتتاب توشك بالكاد في الغالب على تغطية جميع المعروض. وقال نيتيش بوجناجاروالا، المحلل المصرفي في مكتب موديز في دبي «السيولة تتقلص في دول مجلس التعاون الخليجي مع انخفاض معدل نمو الودائع حتى وإن كان نمو الائتمان لا يزال مرتفعا في بعض الدول». من جهة أخرى، قال نديم نجار، المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وكالة تومسون رويترز: «انخفض حجم التداول في سوق الصكوك العالمية خلال عام 2015، ونحن ندرك أن التقلبات في الأسواق العالمية جعلت الجهات المصدرة أكثر حذرًا بشأن قرارات التمويل، وأدى هذا إلى ذلك الانخفاض الكبير. وبمعزل عن ظروف السوق، فقد أدَّى قرار البنك المركزي الماليزي بخفض الصكوك قصيرة الأجل أيضاً إلى مزيد من الانخفاض في إصدارات الصكوك». عموماً، وجد التقرير أنه من المتوقع أن ينمو خط العرض والطلب المحتمل على الصكوك. وعلى الرغم من هذه الزيادة، لا يزال من المتوقع أن الطلب سيفوق العرض بشكل كبير حتى عام 2020، ليصل إلى 253.7 مليا ر دولارٍ أمريكي. في البداية، من المتوقع أن تكون الفجوة بين العرض والطلب 115.9 مليار دولار أمريكي في عام 2016، لتزيد إلى 145.6 مليار دولار أمريكي في عام 2017، حيث إن الطلب ينمو بوتيرة متسارعة أكبر من العرض، ومن المتوقع أن يزداد العرض في عام 2016 بنسبة 15 في المئة، عندما تبدأ حكومات البلدان المصدرة للنفط بإصدار صكوك لتغطية عجزها، ومن ثم سيعود هذا النمو للانخفاض إلى 8 في المئة في عام 2017، وسيستقر النمو المطرد في السنوات الثلاث التالية (2018 - 2020) ليكون متوافقًا مع النمو المتوقع لأصول التمويل الإسلامي.