«بيوت المعتدين» وحدها قصة طويلة ما إن توارب عن تفاصيلها الغلاف تحدَّرت تفاصيلها كالدموع بدا لمن يقرأ التفاصيل أنها حيكت على مدى طويل.. محتوى، وشخوص، ووقائع، وحبكة، وتوقيت، ومواقع.. فيها تختزن الكثير.. والأفراد فيها ليسوا مقتربين كما تقضي ألفة الأحشاء التي كوَّنت، والحِجْر الذي احتضن، واليد التي تُربِّت، والطبق المشترك، والسقف الآمن بدعامة الجدران، وضُلف الأبواب..! ليسوا مقتربين فلا سماع لآهة، ولا نفير لوعكة، ولا مُقيل لعثرة.. لا قرب بين من تتلاقى عيونهم بنظراتها، لأن الأفكار تلوج في رؤوسهم مغلفة برهبة صمت، ومعقد نيَّة..!! والذي تنتهي إليه التفاصيل لهذه القصة مخيب لآمال القريبين البعيدين، الواثقين الخائبين.. !! فالذي يُقرأ من هذه القصة الآن بين الفينة، وأخرى كلما اتسع انفراج غلافها عنه، وانفرط عد أوراقها به، ينبئنا بأن القصة طويلة.. طويلة جداً.. والأشياء الصغيرة فيها ليست خاتمة سعيدة لأفرادها النافرين، ولشخوصها المتمردين، ولمن بعدت به قافلة فكره، ونأى به موج مساره.. فهي ليست القصة التي تُقرأ صفحات منها ثم يطفأ النور، ويتوسد النهمون بها منامهم وابتسامة طائفة على شفاههم من ابتكاراتها الموحية.. بل هي قصة غامضة، مفخخة، قاتلة، معجونة بالأوخام..! موبوءة بالأدران..! قصة تقرأ في يقظة فتقض المضجع، وتحرق الحلم، وتؤلم العقل.. حين يكون العقل يألم كما تألم النفس، ويجرح كما تُجرح المشاعر.. هذه القصة التي ألفها البعيدون القريبون في داخل بيوتهم، وبين أفرادها الأوَّلين اللَّصيقين الغافلين، هذه القصة المحاكة في ستر الليل، ووضح النهار هذه القصة المحاطة بسرية الرهبة، وخوف الظهور، التي لا تبتهج لانجازها الصدور.. كلما تشظت أجساد شخوصها، والتهبت أمكنة وقائعها، وعلا صوت ممثليها، وتجمعنا نشاهدها على مسرح الواقع وقد مُثِّلت تعاودنا الأسئلة، وتنبعث فينا التساؤلات : أفلا تقتربون أكثر تحت سقوف بيوتكم، أفلا تقرأون تفاصيل ما تصغي له الجدران، وتعرفه همهمات الظلام، وتمتزج به تفاصيل الخطوات في ساعات الغفلة..؟ فالقصة انفرج على اتساعٍ المدى غلافاها انفرطت صفحاتها، تناثرت تفاصيل التفاصيل فيها.. وانتقلت إلى المسرح، لا تزال لم تنته بعد فصولها، لا تزال تخبئ ما إن قرأتموه بادرتم بإسدال الستارة قبل أن تلتهب مواقع أخرى، ويسقط شهداء..!! فاقتربوا من بعضكم أكثر وأكثر فأكثر..!