الثقافة كمفهوم لها تجليات كثيرة ومتنوعة، فهي تعني في القاموس تعريفاً جامعاً لأية وسيلة يستطيع من خلالها الإنسان أن يُعبّر عن رؤاه، إما مباشرة عن طريق المشافهة أو الكتابة، أو أية وسيلة أخرى، كالمسرح أو السينما، أو الفن المسموع والمرئي، أو التشكيلي، أو الدراما، أو حتى الأعمال التي يتضمنها السيرك بشتى تنوعاته.. أعلاها الفلسفة ونظرياتها والكتابة الأدبية كالشعر والنثر، وأدناها ما يُعبر عنه المهرجون الذين عادة ما يمارسون أدواراً تهريجية، إما من خلال الكلمة أو الحركة، أو كليهما معاً. الفنان السوري «دريد لحام» يُعتبر من أشهر الفنانين العرب المثقفين، الذين كان لهم على خشبة المسرح، وكذلك على الشاشة التلفزيونية، وفي الأفلام السينمائية، أعمال تاريخية رائعة ومتميزة، استحوذت على صدارة الفن المسرحي العربي والتلفزيوني والسينمائي عقوداً عدة، حتى قال عنه أحد النقاد في مقولة احتفائية: (في سوريا أكثر من عشرين مليوناً و»دريد لحام» واحد). وما إن يُذكر الفن والفنانون السوريون حتى يبرز اسم هذا الفنان القدير فعلاً على السطح كرمز فني، لا يتكرر إلا لُماماً، متصدراً المشهد السوري الثقافي، كأهم المثقفين السوريين، الذين حفظ لهم التاريخ أعمالاً مسرحية ومسلسلات تلفزيونية ساخرة وهادفة ورائدة، كانت لسنوات وسنوات محل إعجاب العرب وتبجيلهم ومتابعتهم؛ فقد كانت فعلاً تتميز على غيرها بأنها اتخذت من الكوميديا سبيلاً للنقد، ومن التجريد والتورية والرمزية فناً راقياً ومعبراً يجتمع فيه الأدب بالكوميديا والتراجيديا في لوحات فنية راقية ومُعبرة عن أفراح العرب وأتراحهم. هذا الفنان - على ما يبدو - تحول إلى كائن طائفي مشوه، ليس هو قطعاً ذلك الذي نعرفه، ورسالته الفنية تحولت إلى تطبيل مذهبي أجوف وفارغ من أي قيم أخلاقية ووطنية وقومية، وتعملقه تحول إلى حالة قزمية قميئة؛ فتذكرت عندها قول مواطنه الشاعر السوري «نزار قباني» حينما قال: وأيقنت عندها أن هذه الفوضى العربية العارمة والدموية التي سماها الديماغوجيون العرب ظلماً وبهتاناً (الربيع العربي) وصلت من الجسد العربي المنهك والمعلول إلى العظم، واجتاحت فيروساتها المميتة ووبالها وويلاتها صفوة الصفوة من رموز مثقفيهم. الخبر الذي صعقني عن دريد لحام نشرته (جريدة الشرق الأوسط اللندنية)، يقول: (أدار الفنان السوري دريد لحام ظهره للعروبة ولجمهوره العربي العريض بإعلان تأييده المطلق لإيران ولمرشدها الأعلى علي خامنئي. ولم يتوان لحام الثلاثاء الماضي خلال حفل نُظم في دمشق عن القول متوجهاً بالتحية إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي «في روحك القداسة, في عينيك الأمل, في يديك العمل, وفي كلامك أمر يُلبى». وأضاف لحام مكملاً تحيته لخامنئي: «لك الحب والتقدير والإجلال»)!! حينما قرأت هذه الخزعبلات التبجيلية من هذا الفنان الذي كان صرحاً شامخاً فهوى تأكدت أن براميل بشار المتفجرة، ومدافع ميليشيات خامنئي، ومتفجرات (حزب الله)، لم تسحق الحجر، وتقتلع الشجر، وتقتل مئات الألوف من البشر، وتُشرد نصف سكان سوريا، فاختار بعضهم البحر قبراً على البقاء في ديارهم، وإنما سحقت أيضاً قممهم الفنية المثقفة فساوتها بالتراب، ووصلت عواصف الخراب والدمار إلى هامة كانت أعلاها ثقافياً حتى كادت تلامس السحاب، فخرت من عليائها تتوسل محتلها «خامنئي» وتُقدسه، وتبجله، وتُقبل الأرض تحت قدميه في تموضع دنيء، يندى له جبين كل سوري عربي أصيل؛ فهل أصبح «غوار الطوشه» مهرجاً في بلاط الإمام الطاووس الفارسي المُعمم؟ وهل أصبح (حمام الهنا) الدمشقي حماماً فارسياً يكسوه السواد ويجلله الحزن؟ وهل أصبح الأبظاي «أبوعنتر» قزماً يقبل أيدي جلاديه الفرس، ويتذلل لهم مطيعاً خانعاً، باصقاً على كرامته قبل أدبه وتاريخه (الفني) العربي الممتد لعقود، ومتبرئاً من كل أعماله الفنية (الدمشقية) العظيمة، فأصبحت نهايته - وقد بلغ من العمر عتياً - مجرد خادم حقير في معبد الفرس المقدس؟.. إنه زمن الخنوع والخضوع والتشرذم الطائفي أيها العرب البؤساء! إلى اللقاء.