يتبلور الثقافيم كآلية تقوم بتثبيت الخطاب عند العجمي وهو يضيف عن هذا الثقافيم أنه أوهام تشبه الحقائق، ولكنه لايخصها بالخطاب بل هو يجعل على سبيل المثال نظام القبيلة العربية ثقافيماً، والديانة اليهودية، وأغلب المذاهب الإسلامية.. ومن شأن هذه الثقيفيمات أن تسيطر على العقل في أكثر شؤون الحياة وتمنعه من التفكير العقلاني .. والعجمي يجعل الثقافيم كالفيروس في العدوى بعد استقلاله عن منشئه حيث بنتشر بسرعة لعدم القدرة على التحكم في عوامل ما بعد مرحلة الاستقلال.. ويلح العجمي على أن الثقافيمات تؤثر في التفكير والعقل فتطبع القيم والذائقة بميسمها فما مر عبر مرشحها مقبول وما لم يمر مرفوض، ولكن الثقفيما تغير واضحة وعير محددة إلا بأثرها هي أوهام، وقد تتحول إلى شعارات خطابية بل هي عملية برمجة مستمرة تتم من خلال المجتمع ومن خلال التعليم، ويرى أن أغلب الثقافيمات التي يتبرمج بها الناس يكتسبونها دون وعي منهم بها؛ فهي تصيبهم، وهكذا تبرمجهم ، فتصبح حياتهم متوقفة عليها، وتشمل هذه المبرمجات كلا من: مستوى التربية الدينية، وقيم العمل التي تفرضها الأسرة أو البئية الاجتماعية والعروض التلفزيونية والإعلانات التي يراها الناس وفي النهاية يؤيد أن معظم الحقائق ما هي إلا أوهام وأساطير نسيت طبيعتها المجازية، ويرى بعد ذلك أن المطلوب عند بعض الفئات هو الثقافيم الفاعل ولنجاح وذلك لا يزم بالضرورة أن يكون جيدا فالثقافيم هو فكرة أو اعتقاد يمكنه الانتشار بين الناس بسهولة ، وليس بالضرورة ما يفكر فيه الناس بطريقة موضوعية أو حتى ما يتصوره مؤلفو ذلك الثقافيم ثم يدخل فيها ما أسماه ثقيفمات المواقف وهي تتعلق بأطر عائمة .. قائمة على التجربة العملية التي تحدد للمرء بما يكون عليه لزاما أن يفعله في موقف يمر له في حياته ليحقق نتائج مطلوبة وهذه الثقيفيمات أشبه بالسلوكيات ثم هو يؤكد أن الثقافيم ينتشر بسرعة عن طريق آلية الإعلان التي تتجنب إعطاء معلومة وتعتمد تقنيات الإعلان فيها على الإقناع القائم على التصوري الشعري وربطه بأحد أنواع الرغبات المؤثرة من إيحاءات صحية ، أو إشارات إلى الثراء ، وعوامل الشهرة ، أو الجاذبية للجنس الآخر أو الجاه الاجتماعي ، أو مواكبة الموضة ، ثم يجعل الإيمان بالمؤامرة أحدها وهو عادة ما يستغل لتبرير أخفاقات سياسية أو عسكرية أو اجتماعية ثم يقول في مرارة « لقد تطورت أفكار هذه التبريرات إلى إلصاق كل إخفاق بأعداء الأمة ( في الداخل والخارج ) ، حتى دون أن يسأل مبتكرو هذا الثقافيم ، إن كانت الأمة موجودة أصلا أم لا « ثم يشير بعد ذلك إلى تكون الثقفيمات، وترسيخها عن طريق مظاهر الانغماس كسييكولوجيا الخطر ، والألم ، والثرثرة ، والمغامرة ، والطغيان ، والتدين ، والانتحار ثم عن طريق تصورات الحقيقة التي تجعل الناس لا يحاولون اجتناب الخديعة بقدر ما يحاولون تجنب الآثار الضارة الناجمة عنها، وليست الحقيقة إلا مجموعة حية من الاستعارات والتشبيهات والمجازات وهي بإيجاز حاصل علاقات إنسانية تم تحويرها شعريا وبلاغيا وليست إلا وهما في النهاية إن ثقافيمالعجمي الذي عنون به كتابه يجعل الثقافيمات منتشرة في العالم أجمع ، ولكنه لم يستطع أن يحدد لها ماهية واحدة إنها باختصار – كما نرى من خلال كلامه – نوع أو شكل أو مظهر من استغلال الإنسان قد يجري آليا دون وعي وقد يجري بوعي ، ولابد من معرفة طبيعة تلك الثقفيمات وآلياتها للتخلص من آثارها بيد أنه يصل بنا إلى عدمية لاتقلثقافيمة عن كل الثقفيمات بإنكار الحقيقة ولسنا بهدف الدخول في غوص عميق للبحث عن فلسفة الحقيقة والنظرة الاجتماعية لها ، ولكن أولا يجب الإقرار أن الحقيقة ليست نوعاً واحداً ، ولا يمكن أن تكون معادلة رياضية أو قانون علمي ، أو قانون أخلاقي مجردا بشريا أجمع البشر على استحسانه وهماً فحسب ، صحيح أن الحقيقة نسبية، وأن ارتباطها بالجانب الميتافزيزقي يجعلها حقيقة من نوع خاص ، وقد يرى أو يمارس دون وعي معظم الناس الحقيقة في القوة أو السلطة فما تفرضه الدولة حقيقة وما ترفضه الدولة ليس حقيقة هكذا كتب بعضهم ، بيد أن نظام الخطاب أقوى من أي حقيقة وأقوى من أي سلطة ولذا فالحقيقة في نظري ليست في النهاية إلا نظام الخطاب الذي ينشأ في مجتمع من المجتمعات ، كيف يعمل ذلك النظام وما آلياته ، وما قيمته قياسا إلى أنظمة خطاب أخرى أو إلى حقائق أخرى ، وكيف يستطيع نظام الخطاب أن يقضي على أوهامه التي ينتجها هذا ما يحد من تغول ذلك النظام وابتلاعه المرعب للضحايا المادية والمعنوية.