يحمل تاريخ المملكة العربية السعودية مساحة واسعة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أيَّده الله فهو ولأكثر من خمسين عاماً كان ذلك الحاضر المتألِّق، والفاعل الإيجابي في جميع قضايا الوطن وهو القريب الخبير في كل ما يدور في أروقة الحكم والإدارة، والمستشار الأمين لولاة الأمر. وكان دائماً قريباً وحاضراً وملمَّاً بكلِّ قضايا المملكة الداخليَّة والخارجية، مقدِّماً الإنجاز تلو الآخر، باذلاً الجهد والفكر، واضعاً بصماته على سجلِّ تاريخنا الحديث ومضيئاً صفحاته بأحرف من نور. ورغم متعة الحديث وغناه عن شخصيته الفذَّة التي أثق أنَّ أثرها وتأثيرها سيمتد لعقود من السنوات إلا أنه من الصعوبة بمكان الإحاطة بكل الجوانب اللافتة في شخصية خادم الحرمين الشريفين وتحديد المهارات والملامح التي يتمتع بها. فالملك سلمان هو الإداري المتمكِّن والمثقَّف الموسوعي والعمراني الطموح ورجل التنمية البارع، وهو الصديق الوفي لكل فئات المجتمع، وهو الإنسان الواصل والمشارك للناس في مناساباتهم، أفراحهم وأتراحهم، وهو الفريد في معرفة الرجال وتقييمهم، الخبير بجغرافية المملكة وتاريخها القديم والمعاصر، وهو الداعم لأعمال الخير والمساند لكل الأعمال الإنسانية، وقبل كلِّ شيء هو الرجل المؤمن الذي منبع أعماله الروح الدينيَّة القويَّة والفطرة السليمة النقيَّة التي طبعت سلوكه ونظرته وحكمه على الأمور. امتدت إدارة الملك سلمان لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود عمل معه وتحت توجيهاته عدد من الرجال المخلصين بدءً بالأمناء صاحب السمو الأمير فهد بن فيصل بن فرحان، وصاحب السمو الأمير عبدالعزيز بن سليمان بن ثنيان رحمهما الله، ومعالي الأستاذ عبدالله العلي النعيم ومعالي المهندس مساعد بن عبدالرحمن العنقري. ولكلٍّ منهم مبادرات وتجارب وإنجازات وذكريات مع مهندس الرياض الأول سلمان بن عبدالعزيز. أمَّا بالنسبة لي فقد شاهدتُ وعن قربٍ ولأكثر من عقدٍ ونصفٍ من الزمان خلال عملي أميناً لمنطقة الرياض، كيف كانت الرياضالمدينة تكبر ويزداد عدد سكَّانها ليصبح بالملايين، وسلمان هو سلمان في تحمُّله وبذْله لجهده ووقته وماله. لقد كان متابعاً دقيقاً لشئون المواطنين بكلِّ شهامةٍ ومروءةٍ وعدلٍ، ومبدؤه الانتصار للحق لكلِّ مواطنٍ ومواطِنة. لذلك فإن ما تمَّ في الرياض يكاد أن يكون قريباً من المعجزة، فالرياض مدينة تكبر ويتزايد سكانها بوتائر متسارِعة، وخلال السنوات الخمسين الماضية استمرَّ عدد سكِّانها في التضاعف كلَّ عشر سنوات تقريباً، أي أنَّ كلَّ عشر سنواتٍ تأتي برياضٍ جديدة بجانب الرياض وما عناه ويعنيه ذلك من تحديات إدهرية وتنموية جسام. لا يملك الراصد لسيرة الملك سلمان الإدارية عندما كان أميراً للرياض إلا أن يُبهر بتألُّق سلمان بن عبدالعزيز بكل جدارة واقتدار.. وبالرجوع بالذاكرة لتلك السنوات أتذكَّر المشروعات التي قام عليها، حفظه الله، لأجدها أعداداً وأنواعاً لا تُحصى سواءً كانت مباشَرةً أو مساندةً أو دعماً في كافَّة مدن ومحافظات ومراكز منطقة الرياض. وقد كانت دائماً له اليد الطولى في تسهيل كافَّة العقبات، فهو لا يوفِّر جهداً ولا وقتاً في إقناع مسؤولٍ أو الكتابة لآخر أو الرَّفع لولاة الأمر بطلبٍ من أجل تنفيذ تلك المشروعات.. يبذل نفسه وبكلِّ أريحيَّةٍ في أيِّ جهدٍ للتنمية والتطوير. كلُّ تلك المشروعات الكثيرة التي يشاهدها الناس الآن صروحاً قائمةً، لو تمكَّنت لنطَقَت جدرانها وأركانها باسم سلمان، فقد كان، حفظه الله، بمثابة القلب النَّابض الذي يمدُّ عجلة التنمية والتطوير بالطَّاقة والحيويَّة والحركة ليُعمِّمها على كلِّ مدينةٍ أو قريةٍ أو مركزٍ أو هجرة، لأن هذا هو سلمان المحبًّ العاشق للتنمية والمحارب البارع من أجل تحقيقها في مدينته ومنطقته.. الرياض. الملك سلمان رجلٌ لمّاحٌ وذو خبرةٍ واسعةٍ وتجربةٍ طويلة، لذلك فهو يمتلك أسلوباً إداريَّاً متميِّزاً واستثنائيَّاً يجمع بين المركزيَّة واللامركزيَّة في نهجٍ إداريٍّ خاص. ويتمثَّل في إدراته الميزان بينهما حسب ظروف العمل وما تقتضيه من تفويض للسلطة والصلاحيات والمحاسبة عليها. وهو حفظه الله، مدرسةُ جامعة في فنِّ الإدارة حاضنة للكفاءات وصانعة للرجال تحثُّ وتشجِّع على العمل بروح الفريق ومعبِّرة عن وطنيَّةٍ حقَّة من خلال احتوائه ودعمه للكفاءات السعوديَّة في كل مواقع المسؤولية. وقد كان يردد دائماً، حفظه الله، بأنَّه لا يعمل وحده، بل يعمل بمن معه من الرجال الذين أولاهم ثقته. كلُّ ذلك ساهم في أن تكون الرِّياض أنموذجاً يُنظر إليه وإلى تجاربه من قِبل المناطق الأخرى نظرة اقتداء تعدُّه بحقٍّ أميراً لأمراء المناطق ورائداً للإدارة المحلية. ففكرة الملك سلمان في المحافظة على وسط الرياض وإعادة إحياء عمران وتراث المدينة، بالإضافة إلى أفكاره وجهده في إنشاء شركتي «المعيقلية» و»الرياض للتعمير» كأذرعٍ استثماريَّة للأمانة في تنمية المدينة هو نهج ريادي يتمثّل في طرح وتبنِّي الأفكار الرائدة، وغيرها الكثير الذي تشرَّفتُ بالمشاركة فيه ضمن فريق عملٍ يقوده سموُّه كحرصه على تبنِّي ودعم برنامج الأمانة في تعزيز البعد الإنساني للمدينة وحرصه على إعادة إحياء وتأهيل وادي السلي وإبرازه للوجود كمنتزه طبيعي يشق شرق الرياض من شمالها إلى جنوبها بعد أن كان منسيَّا.. وكذلك إنشاء المنتزهات الكبرى كمنتزه سلام ومنتزه الملك عبدالله بالملز (كل منهما بمساحات تزيد عن ثلاثمائة ألف متر مربع)، وبعضها بمساحاتٍ مليونيَّة كمنتزه الملك سلمان في بنبان (ثلاثة ملايين متر مربع وحدائق الملك عبدالله العالميَّة (مليوني متر مربع). هنالك أيضاً فكرته السبَّاقة والتي تُذكر له، حفظه الله، بكل الأعجاب والامتنان، في إنشاء الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وما قامت وتقوم به من دراسات ومشروعات كثيرة للرياض ليس آخرها مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام. يضاف إلى تلك الإنجازات دوره القيادي في إنقاذ الكثير من المواقع الأثريَّة والشواهد التاريخيَّة التي كانت عرضةً للاندثار تحت وطأة عجلة التمدُّن والتنمية. فوقفته المشرِّفة والجادَّة في وسط الرياض هي من الوقفات التي تحسب له في المحافظه على تاريخ المدينة وهويَّتها العمرانيَّة. والمشروعات التي تمَّ ويتمُّ تنفيذها ضمن مفهوم ثقافة المدينة وتاريخها متعدِّدة، منها تطوير منطقة قصر الحكم ومركز الملك عبدالعزيز التاريخي، ومشروعات تطوير الدرعيَّة ومشروع تطوير وتأهيل وادي حنيفة.. وكان بالإمكان أن تمثِّل تلك المشروعات أنماطاً أخرى لا تنتمي إلى بيئة المدينة وتاريخها وثقافة مجتمعها. إنَّ تحقيق معادلة عصريَّة الرياض والاحتفاظ بتاريخها تعود لشخصية الملك سلمان الواثقة بانتمائها، والمعتزَّة بماضيها، والسعيدة بحاضرها، والمتفائلة بمستقبلها. ولا شكَّ أن استيعابه، حفظه الله، لتاريخ المملكة السياسي والاجتماعي والعمراني واعتزازه به له بالغ الأثر، وهي رمزيَّةٌ ودافعٌ لاعتزازه بوطنه بجميع مناطقه وكلِّ مدنه وقراه. والجميل أنه حرص باعتدادٍ على تعريف العالم بالرياض وتراثها خاصة والمملكة عامة من خلال معارض الرياض والمملكة (بين الأمس واليوم) التي جابت مدناً مختلفة من العالم. شهِدتُ مع سموه وهو يدفع بالتعليم الجامعي الأهلي في تأسيس أول جامعة أهليَّة في المملكة وهي جامعة الأمير سلطان التي تقوم عليها مؤسَّسة الرِّياض الخيريَّة للعلوم برئاسته حفظه الله. كذلك شهدتُ توجُّهَه ودعمه للامركزيَّة ومن آخرها ما عملت عليه أمانة منطقة الرياض بتوجيهه في التعامل مع مدينة الرياض بوصفها مجموعة مدنٍ في مدينة، وذلك بإنشاء 15 مركزاً إداريَّاً يضمُّ كلُّ منها فروعاً للإدارات الحكوميَّة، كالإمارة والبلديَّة وكتابة العدل والمحكمة والشرطة والبريد والجوازات وغيرها، بحيث يكون النطاق المكاني لكلِّ مركزٍ إداريٍّ من تلك المراكز مدينةً بحدِّ ذاتها. وهذا التوجّه ضمن رؤيته الداعمة للإدارة المحلية وللامركزيَّة الإدارية وتفويض المزيد من الصلاحيَّات لفروع الإدارات الحكوميَّة في المدينة. وقد أثبتَت تلك الأفكار الرياديَّة نجاح التجربة. وهاهي مدنُ كثيرة في المملكة قد بدأت للتو في محاكاة تلك التجارب وغيرها ممَّا نفَّذَته الرِّياض منذ عقودٍ لتطوير إمكانات الرِّياض الإداريَّة والتنمويَّة. الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، عنوانٌ للوفاء الممزوج بالإنجاز، وخير شاهد على ذلك أن رياض سلمان فيها من مشروعات الوفاء ما لا يوجد في غيرها من المدن كمّاً ونوعاً. إنها ثقافة اختطَّها وحافظ عليها متمثّلاً في ذلك رؤية ونهج الملك عبدالعزيز، طيّب الله ثراه، حيث تعوَّدت الرياض الاحتفاء بقادتها ورموزها، وتميَّزت بترجمة تلك الاحتفاءات إلى مشروعات خلاَّقة تفيد وتبقى. وهذا هو نهج الملك سلمان حين كان أميرها في استثمار مثل تلك المناسبات لما فيه خير الوطن والمواطن بإقامة مشروعات نافعة يعود خيرها على الجميع ومن تلك المشروعات: - مكتبة الملك فهد الوطنية : عام 1403ه. - مركز الأمير سلمان الاجتماعي: عام 1409ه. - مركز الملك عبدالعزيز التاريخي: عام 1419ه. - جامعة الأمير سلطان بن عبدالعزيز: عام 1419ه. - حدائق الملك عبدالله العالمية: عام 1426ه. - برنامج الأمير سلطان لخدمات الطوارئ: عام 1430ه. - واحة الملك سلمان للعلوم: عام 1431ه. ووفاءً وتكريماً لرجل الوفاء الملك سلمان حفظه الله وفي عام 1425ه ، وعندما كان أميراً للرياض وتقديراً من جامعة الأمير سلطان لدوره الريادي في الإدارة المحليَّة فقد حرصتُ بمباركة مجلس الأمناء على تأسيس الجامعة مركز الملك سلمان للإدارة المحليَّة، والذي يهدف إلى إجراء البحوث والدراسات وتطوير وتدريب قياداتٍ في الإدارة المحليَّة بنهج الملك سلمان الإداري، تقديراً وعرفاناً لإسهاماته حفظه الله، في هذا المجال. أخيراً.. فإنَّ ما وصلت إليه الرياض من التطوُّر والازدهار جديرٌ بالإشادة، ولولا عناية الله ثمَّ دعم وجهود ومثابرة الملك سلمان، حفظه الله، لما وصلت المنطقة إلى ما وصلت إليه. ولا أظن أنَّ مدينةً على الأرض حظيت بعلاقةٍ كالتي حظيَتْ الرِّياض بها بسلمان.. أوْلاها أجملَ أوقاته وأثمنَ جهده وغاية حبِّه فكانت الرِّياض التي ستبقى آثاره وتأثيره فيها وفي أهلها وسكانها ما بقي الدهر. وأحمد الله سبحانه وتعالى أن جعلني من المحظوظين بنيل شرف العمل وسعادة الأداء تحت مظلَّته، حفظه الله، وسيبقى ذلك وسام فخرٍ لي وتاج اعتزاز فقد ترك ذلك الكثير مما تزهو به الذاكرة وتسعد به النفس. وسيظل سلمان بن عبدالعزيز معلماً وملهماً للأجيال القادمة, في مجالات كثيرة ومنها مجال الإدارة المحليَّة. وأنظر بتفاؤل في مناسبة ذكرى تولِّيه مقاليد الحكم مؤملً أنَّه من حسن الطَّالع لهذه البلاد أن أراد الله لها سلمان ملكاً يمدُّ إليها ما جُبِل عليه من خيرٍ وخبرةٍ ودراية ستنقلها بحول الله إلى رفعةٍ أعلى وسموٍّ أعَز. بقلم الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف - نائب رئيس مؤسسة الرياض الخيرية للعلوم.. رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان