في مثل هذا اليوم من العام الماضي تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان عبد العزيز - حفظه الله - مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية. تمر اليوم سنة كاملة على إدارة الملك سلمان دفة الأمور في بلادنا؛ فماذا أنجز ملك الحزم والعزم خلال ثلاثمائة وستين يوماً؟! أحدث الملك سلمان تغييراً جوهرياً في أسلوب إدارة الحكم على المستويينِ الإداري والسياسي. اعتمد الملك سلمان في الإدارة على فلسفة اختصار المسافة التي يمر بها القرار وتركيز الجهود التي تبذل من جهات متعددة في كل ما يخص جوانب الحياة في المملكة محلياً ودولياً؛ فألغى اثني عشر مجلساً ولجنة استشارية كانت تعالج كثيراً من القضايا وقد يتأخر اتخاذ قرار لا بد من اتخاذه عاجلاً؛ لطول المسافة بين المجالس واللجان وما تمر به أية قضية من مراحل الدراسة والبحث إلى أن تصل في نهاية الأمر بعد مرور وقت طويل إلى صاحب القرار. استبدل الملك تلك اللجان بمجلسين يدرسان مختلف القضايا بصفة أسبوعية وترفع التوصيات سريعاً؛ ليبت في أمرها بصورة عاجلة؛ مجلس الشؤون السياسية والأمنية ويرأسه ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ويرأسه ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، ويضم المجلسان نخبة مميزة مختارة من الكفاءات والخبرات في مختلف التخصصات تتولى مهمات الدراسة والبحث وتكوين الرؤية؛ فكما يُعنى المجلس الأول ببلورة الرؤى السياسية والأمنية محلياً ودولياً يُعنى المجلس الثاني بمعالجة قضايا التنمية والإدارة المحلية, ويمكن أن ينظر إليه على أنه مجلس متابعة ومحاسبة لأداء الوزارات بطريقة عاجلة تسبق محاسبة مجلس الشورى وتتفوق عليه بسرعة الحسم؛ وما اتخذ من تغيير سريع في وزارتي الإسكان والصحة - مثلاً - دليل يؤكد رؤية المجلس في العزم والحسم، وهي امتداد لمنهج الملك سلمان القائم على سرعة المعالجة وعدم التأخر في نظر القضايا والبت فيها بما يخدم مصلحة الوطن. أما على المستوى السياسي، وهو الجانب المنظور عربياً وإسلامياً ودولياً بخلاف الداخل الذي قد لا تتبين آثاره ونتائجه إلا لأبناء الوطن؛ واجه الملك سلمان الأوضاع السياسية العربية المتردية نتيجة الثورات والتهييج والتدخلات الإيرانية والدولية في المنطقة العربية؛ وبخاصة في سوريا واليمن باتخاذ مواقف قوية حاسمة وحازمة لإفشال المشروع الفارسي المتكئ على مخطط تفتيت المنطقة العربية وإشعال الحرائق فيها بإثارة الصراعات والتوترات الطائفية والإقليمية والعرقية. فكان موقف المملكة من تدخل إيران في سوريا بحرسها الجمهوري وحشدها الشعبي وعميلها حزب الله لحماية نظام بشار الأسد من السقوط واضحاً وجلياً قولاً وعملاً، بتأييد ودعم الفصائل السورية المعتدلة التي تسعى إلى تغيير اتجاه سوريا الفارسي وتعمل على إعادتها إلى حضنها العربي ولا ترتهن إلى أيدلوجيا دينية أو طائفية. وكان موقف الملك قوياً ومواجهاً من تدخل إيران في اليمن بدعمها طائفة الحوثيين على مدى أكثر من خمسة عشر عاماً وتسليحهم وتدريبهم ورسم ملامح خطابهم الأيدلوجي والإعلامي ليكونوا منطلقاً لإيران تُعبِّر من خلاله إلى الجزيرة العربية كلها، كما عبرت من خلال وكيليها نظام الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان إلى الهيمنة على منطقة الشام كاملة، وكما أحكمت قبضتها على العراق من خلال تمكين المراجع الدينية الشيعية والمليشيات والأحزاب في مفاصل العراق السياسية والإدارية والأمنية والاقتصادية. اتخذ الملك سلمان قرارين في الجانب السياسي هما الأخطر في التاريخ العربي الحديث؛ لحماية المملكة والأمة العربية والإسلامية من التفكك والهيمنة الفارسية؛ فشكّل «التحالف العربي» الذي تكون من اثنتي عشرة دولة لإنقاذ اليمن من الفوضى والسقوط الكامل في اليد الفارسية وإعادة الحكومة الشرعية إلى صنعاء بعد احتلالها من قبل الحوثيين، ولا زال التحالف يؤدي مهامه العسكرية بنجاح وحقق ما نسبته 60% من إعادة الأراضي اليمنية إلى الحكومة الشرعية، وهو الآن يقترب من حدود صنعاء. ولحماية الأمة العربية والإسلامية من الجماعات الإرهابية التي شكلت للإسراع بمخطط تفتيت المنطقة؛ كالقاعدة وداعش والنصرة وغيرها؛ فقد رأى ملك الحزم أن مواجهة هذا الإرهاب المتشكل بصورة دينية زائفة مضللة يستوجب معالجة من داخل الأمة لا من خارجها؛ وبخاصة أن التحالف الدولي الستيني لم يحقق الأهداف المرجوة على الرغم من مرور خمس سنوات على أداء مهامه؛ فدعا ملك الحزم إلى تشكيل «التحالف العسكري الإسلامي» بعد التشاور مع الكتلة العربية والكتلة الإسلامية، وتشكّل مبدئياً من خمس وثلاثين دولة بغرفة عمليات وقيادة مشتركة يكون مقرها الرياض، وسيبدأ قريباً في توجيه ضرباته العسكرية المدروسة إلى بؤر الجماعات الإرهابية أياً كان اختباؤها في الجسد العربي والإسلامي وبالتنسيق مع دول التحالف الإسلامي. لقد أصبحت الرياض خلال السنة التي مرت من حكم الملك سلمان مزاراً لعشرات الزعامات العربية والإسلامية والدولية بوتيرة لم تشهدها عاصمة في العالم من قبل، وبما يؤهّل الرياض لأن تكون عاصمة القرار العربي والإسلامي الحازم والحاسم بعد فترة طويلة من حالة التبلد والتيه التي مرت بها الأمة العربية والإسلامية؛ وربما تكون أحد الأسباب الرئيسة التي أوصلتها إلى الفوضى والتفكك والتدخلات الإقليمية والدولية. الملك سلمان يمثّل في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ أمتنا عنوان إنقاذ وزعيم مواجهة وقائداً حازماً وشجاعاً في فترة عربية تائهة تفتقد إلى قيادة حكيمة قوية لها مواصفات خاصة وخبرات عميقة ومؤهلات جدارة تنطلق من الأبعاد الدينية والتاريخية عربياً وإسلامياً.