تركزت الآراء حول توصية ماكينزي في دراستها التي قدمتها للنهوض بالاقتصاد الوطني على الأرقام التي ذكرت والمختصرة ب 246 أي مضاعفة الناتج المحلي وضخ أربعة تريليونات دولار كاستثمارات مطلوب لتحقيق الهدف الأول، والذي سينتج عنه توليد ستة ملايين وظيفة للمواطنين ليتحقق هدف آخر وهو ارتفاع الدخل للفرد بحوالي 60 %، وكذلك تخفيض دور إيراد النفط إلى نسبة قليلة بإيرادات الخزينة العامة. لكن هل هذه الأرقام، بل توصياتهم هي المشكلة، أم أن المحور الرئيسي الأهم هو التحدي بتحقيق هذه المعطيات وهو ما يقع تحت مسؤولية الجهات الحكومية المعنية من وزارات وهيئات لإنجاح خطة التحول الوطني التي تعد الأشمل للوصول لكل الأهداف المعلنة بتوصيات ماكينزي، والتي وضع لها موعدا تقديريا أيضاً في العام 2030م . تذكرت ما قاله خبراء كرة القدم الهولنديون عندما سألوهم عن سر سرعة اللاعب الهولندي بأن السر في طريقة التدريب؛ حيث ذكروا أنهم يرمون الكرة بأقصى قوة ممكنة ويطلبون من اللاعب أن يجري بسرعة ليسبقها، ولكن أكدوا بأنه لن يستطيع تحقيق ذلك، لكنه بالتأكيد سيكون أسرع من منافسيه بالمباريات مع الأندية أو المنتخبات المنافسة، فهذا المثال يقودنا إلى فكرة أن التحدي ليس من التوصية بل بإمكانية تحقيق جل هذه الأرقام أو أفضل نسب منها وهو ما يضع وزارة الاقتصاد والتخطيط بتحد حقيقي مع توصيات ماكينزي. ومن الواضح في خطة التحول أن الجهات الحكومية أعدت خططها كي تكتمل في عام 2020 حتى تتهيأ الظروف وتصبح البيئة ملائمة نحو الأهداف الاستراتيجية التي تنقل الاقتصاد الوطني لمرحلة جديدة تتعزز بها الإنتاجية، وما توصيات ماكينزي إلا إرشادية لما هو مطلوب من استثمارات وأرقام بحجم فرص العمل المطلوبة كي تتقلص البطالة وينخفض الاعتماد على إيراد النفط لأقل نسبة ممكنة؛ كي يتحرر الاقتصاد من ضغط تقلبات أسعاره، وكذلك يكون النمو ذاتيا بدون الاعتماد على الإنفاق الحكومي الكبير الذي شكل لعقود الركيزة الأساسية بالتنمية، وكان لذلك آثار سلبية في أوقات انخفاض أسعاره أدت لتعطيل تحقيق أهداف خطط التنمية التسعة السابقة, فالتحدي بات واضحا على من يقع، ولذلك إذا كانت وزارة الاقتصاد والتخطيط المسؤول الرئيسي تحت مظلة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لتكون هي المنسق والمتابع والمشرف الميداني -إذا جاز الوصف- على تنفيذ خطة التحول فإن أهم ما يواجهها هو منظومة عملها في هذا الشأن، وهل تأكدت من جاهزية الاقتصاد بكل مكوناته وأطرافه لتحقيق أفضل النتائج الممكنة فلا يكفي أن توضع الخطط ولا أن تعطينا أي شركة استشارية عالمية رؤى لأرقام واتجاهات لتحقيقها، فمن الممكن أن تقدم أي جهة، سواء استشارية خاصة أو عامة كفريق أبحاث من الجامعات مثلا، أي دراسة وتوصية حتى نقول إنها هي جسر العبور، فهذا الأمر ليس باختراع العجلة بل من الممكن أن تضخ استثمارات أقل مما ذكر وتحقق نتائج أفضل؛ فالمعيار ليس الأرقام فقط؛ فقد يقوم طرفان بإنشاء مشروع تجاري مشابه وتجد أن طرفا استثمر أقل وحقق نتائج أفضل، وذلك بسبب الكفاءة في التخطيط والإدارة وليس أي اعتبار آخر. وقد وافق مجلس الوزراء الموقر على إنشاء العديد من الهيئات التي يصب عملها في تحسين كفاءة الاقتصاد كهيئة توليد الوظائف وكذلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وأيضا قياس الأداء وغيرها إلا أن تفعيل كل أدوار الجهات المعنية ومدى التنسيق بينها وتحويل العمل برمته إلى منظومة حكومية يعد التحدي الأكبر نحو التحول المنشود خصوصاً أن مؤشرات قياس الأداء قد وضعت، والمراقبة على تنفيذ الخطط من خلالها ستكون مساعداً كبيراً لتقييم الوضع بآليات التنفيذ إلا أن تحسين جودة القرار بكل جهة ومدى واقعيته ومعرفة الإمكانات الإدارية لكل جهة سيكون عاملاً حاسماً بنتائج كل ما رسم مما يتطلب إعادة النظر بجهاز التخطيط المركزي الذي يعتبر حالياً جزءاً من وزارة الاقتصاد والتخطيط، وحتى يكون جهاز التخطيط فعالاً فمن الأفضل أن يكون مستقلا ويرسم الخطط وفق آليات مختلفة، ويضم كوادر وطنية متخصصة بكافة المجالات وله حق المتابعة وبصلاحيات واسعة فيما يخص دوره وبكادر وظيفي مختلف عن الحالي، ويعتمد على اللامركزية بوضع الخطط بحيث يراعي احتياجات كل منطقة وإمكاناتها لتكون المخرجات مناسبة لبرنامج التحول؛ فالتخطيط السليم يفترض أن ينبع من كل منطقة وليس من الوزارات حتى تكون واقعية أكثر، وتراعي المقدرة على التنفيذ والأهم استثمار الامكانات بأفضل كفاءة ممكنة ،ويضاف لذلك دور الأجهزة الرقابية الذي يعد أساسا لنجاح البرنامج وتحقيق أفضل النتائج الممكنة. ماكينزي توصياته ليست أكثر من مؤشر إرشادي إذا كنا نريد أن نضعها في حجمها الطبيعي، وكل الأرقام ليست ذات قيمة إذا لم يكن العمل من الأطراف الفاعلة قائما على التنسيق والاشتراك في الرؤية عند التنفيذ فجميع الخطط التسع السابقة اشتملت على أرقام ليست بعيدة في المضمون عن ما ذكر بتوصيات ماكينزي، ولكن التحدي كان ومازال قائما بالتنفيذ، ولذلك فإن التركيز بإذابة العقبات التي تواجه تحقيق الأهداف لم يكن بحجم الأرقام في تلك الخطط مشكلة بحد ذاتها، بل في نمط التخطيط والقدرة على التنفيذ، فالاقتصاد ولد ملايين فرص العمل خلال السنوات العشر الماضية لكن جلها ذهب للعمالة الوافدة؛ فمن الناحية النظرية تحققت الأهداف بإيجاد هذا الرقم الضخم من الوظائف لكن عمليا لم تنعكس على المواطن وبقيت البطالة عند مستويات عالية، ولذلك فإن التحدي هو بالتنفيذ الذي يأخذ بعين الاعتبار الانعكاس المطلوب على الاقتصاد، وما يلمسه المواطن من تحسن بالدخل والخدمات وسهولة الأعمال، وفتح الفرص، سواء بالتوظيف أو الاستثمار، أهم من أي أرقام توضع كأهداف، فلم نسمع أن دولا ناشئة نجحت بتحول اقتصادها ليكون رائدا بالنمو عن وضعها لأرقام مستهدفة بل كان التخطيط قائما على تحديد الأهداف بمعدل النمو السنوي والتوجهات للوصول لاقتصاد قوي.