جلس مع صاحبه يحتسيان القهوة ويتبادلان الثرثرة، ريثما تنتهي طاقة زوجتيهما البدنية أو المالية في المجمع والثانية أقرب. بوجه مكفهر لمح شاباً يقفز الدرجات بخفة ورشاقة، رغم أنه يحمل كيساً كبيراً بني اللون ينوء به. علّق متباسطاً وعيناه تقفزان من محجرهما، وهو يلتهم قطعة شوكلاتة: انظر لهذا الشاب نشيط كالحصان، قوي كالبعير يا ناصر؟.. التفت ناصر إليه، وقال: الشباب يا أبا سعد، هذه طاقة الشباب.. ثم تلفت يمنة ويسرى ومر به طفل مورد الخدين، وكأنه تلقى صفعات للتو وللحظة. علَّق وعيناه جاحظتان. ما هذا! أطفالنا نغدق عليهم بالنعم وطيب الطعام وهم صفر الوجوه.. وانظر إلى ذاك الطفل وكأن خداه قطع من طماطم. تلفت ناصر وقال: يا له من ولد جميل - حفظه الله -.. بعد وهلة مرت سيارة فارهة ترجّل منها مراهق حسن الطلعة. تحدث وأسنانه مصطكة: من أين له هذا؟ لا بد أن والده مختلس. ثم وضع ملعقة سكر في كوبه ورد ناصر: لعله تاجر! أشاح بوجهه وصاح وهو يلوح بيده: ما تقول أنت!.. ثلاثون سنة عملاً في المصانع والمصافي وبالكاد بنيت بيتاً. وهذا الغر يقود سيارة تساوي قيمة بيت صغير!.. لا بد أن أباه محتال أو لص أو مرتشٍ. تملل ناصر في كرسيه، وقال: حان وقت ذهابي لأخذ دواء السكر من الصيدلية، بالمناسبة كيف السكر.... ثم التفت ناحية أبي سعد الذي وضع ملعقتي سكر إضافيتين فعلّق ببراءة: كفاك سكر يا أبا سعد، صحتك يا رجل. شهق وشرق وصاح أبا سعد: حسدتني أفلا تذكر الله.. بدلاً من مراقبة الناس بعينيك اللتين تلتهمان الحديد!