حادثتان جرتا خلال الأسبوع الماضي؛ الأولى حادثة اقترفها الدواعش الفجرة ضد إخواننا الشيعة في سيهات بالمنطقة الشرقية يوم الجمعة الماضي، ونتج عنها شهداء ومصابون، وقتل أحد الدواعش، وتم القبض على البقية بعد مطاردتهم ومحاصرتهم. وحادثة ثانية، في ذات المنطقة على ما أظن، تشير بوضوح إلى الإرهاب الفكري القميء، تلك الظاهرة الطائفية المرضية، المتجذرة في مجتمعنا للأسف، والتي يسعى إلى تجذيرها بعض الدعاة المسيسين، بهدف إثارة الفتن والقلاقل، لإذكاء الحروب الطائفية الأهلية، عسى ولعل أن يحققوا بعد خلط الأوراق، طموحاتهم المسيسة السلطوية، وإقامة دولة (الخلافة) المزعومة.. فقد ظهر في تويتر شريط فيديو لأحد السعوديين، من أهل السنة، يركب في عربة أجرة، يقودها شيعي، ولاحظ الراكب السني صورة معينة داخل العربة تشير الى ان قائد العربة شيعي المذهب، فانتفض عليه الراكب، وقرعه تقريعا لفظيا طائفيا محضا، وطالبه بإزالة الصورة، وإلا بلّغ عنه (الدورية) كما قال، وكأنه ارتكب جرما يُعاقب عليه القانون في الدولة. وبمجرد أن نشر الراكب شريط الفيديو الذي يوثق الحادثة مزهواً بها على حسابه في تويتر، استدعته في ذات اليوم السلطات الأمنية للتحقيق في هذه الحادثة الرعناء، لأنه بذلك التصرف الأهوج وغير المسؤول، والطائفي، يُعتبر من مثيري الفتن، ولابد من ردعه وتأديبه، ليرتدع أمثاله من الطائفيين؛ وهو تصرف حازم بلا شك، يُشكر عليه المسؤول اليقظ والمتابع الذي أمر باستدعائه والتحقيق معه ولجمه. حادثة سيهات هي (إرهاب دموي) بلا شك. وحادثة الليموزين هي (إرهاب فكري) وجريمة مكتملة الأركان، من شأن تبعاتها أن تنسف اللحمة الوطنية بين المواطنين، وتنسف معها استقرار مجتمعنا. كما أن الحادثتين تنتميان إلى ذات المنظومة المتعفنة، وإن اختلفت أدوات التنفيذ؛ فالأولى آلتها الكلاشينكوف والقتل، والثانية آلتها (الكلمة) والقمع، والحروب والاضطرابات، بدايتها كلمة ونهايتها جثث وجماجم متراكمة. فهذا العامي السني البسيط الساذج المسكين لم ير فيما اقترفه ذنبا يعاقب عليه القانون، بل يراه فخرا وشرفا وعملا وعظيا يجب أن يؤجر عليه قبل أن يشكر عليه، لذلك عمد إلى نشره وتبنيه. والحادثتان مترابطتان ترابط السبب بالنتيجة، ومن حاول فصلهما عن بعضهما، فهو كمن يفصل السبب عن النتيجة؛ أو كمن يفصل الموت الزؤام عن تجرع سموم الأفاعي. وطالما أننا نعالج بيد من حديد، وبحزم لا يعرف التفريط، (النتيجة) (ونترك السبب)، فنتسامح مع من يبيع هذه السموم الطائفية من الدعاة والمحرضين ونعاقب الارهابيين، فسوف تُفرز داعش قطعاً حركة أشنع وأفضع وأبشع وأخطر من ظاهرة الدواعش، مثلما أفرزت ثقافة القاعدة والتأسلم الجهادي السلفي حركة داعش التي فبركها اعداء الاسلام واستخدموا السلفيين السذج للاساءة لهذا الدين القويم. والحلول - يا سادة يا كرام - للقضايا الكبيرة مثل قضية الإرهاب غالبا ما تكون مؤلمة وكذلك موجعة، كالعلاج بالكي مثلا؛ فمن حاول أن يبحث عن علاج سهل ومريح وغير مؤلم لقضية مستشرية ومتجذرة ومتشعبة، فالنتيجة قطعا ستكون وخيمة؛ بل قد يكون علاج الإرهاب كعلاج المريض المصاب جزء من جسده بالقارقرينا، تأجيله لبتر الجزء المصاب، من شأنه أن يقضي على الجسد ككل، وحينها لا مناص من الموت المؤكد. وهذا ما يجب أن نواجهه بشجاعة وجرأة ورباطة جأش، وعزم لا يلين، ويقظة لا تتثاءب. وكل ما نريده لتقويم ثقاقتنا الدينية، التي أفرزت الإرهاب المتأسلم، أن نحيد الكهنوتية، ونحاصر أساطينها، بأن نُفَعّل (فقط) قوله جل شأنه في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وأن ندع الخلق للخالق؛ وصدقوني ثم صدقوني أننا لو طبقنا هذه الآية الواضحة الصريحة، ولم نفرغها من محتواها بمرويات وأحاديث أحادية (ظنية الثبوت)، الله وحده أعلم بصحتها، لاستطعنا فعلاً القضاء على المصنع الذي يصنع الإرهاب والإرهابيين. إلى اللقاء.