هؤلاء الدواعش الأوغاد ليسوا غلاة، كما يصفهم البعض، وإنما وحوش وأفاعٍ موبوءة بجراثيم وفيروسات مرضية قاتلة؛ لا تملك من صفات الجنس البشري إلا الشكل والمظهر، أما المخبر والطباع والفكر، فليس ثمة إلا مخلوقات مشوهة شريرة، خسيسة، منحطة، ملأت الأحقاد والقبح والعفن قلوبهم، وغلف الجهل المطبق والحمق عقولهم؛ وامتطوا دين الإسلام وهم ألد أعدائه. أعرف جازمًا أن من شكّلهم، وانتقى اختياراتهم الفقهية من التراث، وكتب السير والمغازي، وخلط الظني باليقيني، وأقوال الرجال بقوله جلّ وعلا، هم مغرضون أقحاح، هدفهم ومنتهى طموحاتهم، أن يشوهوا دين الإسلام، ويشيطنون اتباعه، ورموزه التاريخية، ثم تقديمه في صورة نمطية، مؤداها أنه دين أشرار ودماء ووحوش آدمية، وأنه خطرٌ على البشرية جمعاء، ليتسنى لهم اجتثاثه من عقول اتباعه قبل أن يرعبوا به غيرهم. داعش حركة مفبركة بلاشك؛ لكنها في ظني لم تكن في البداية من صنع الاستخبارات الغربية، كما هو رائج، فالأرجح لدي أنها من صناعة وفبركة أجهزة المخابرات السورية، وكان الهدف أن يقتنع السوريون قبل بقية العالم، بمعادلة تقول: (إما بشار أو هؤلاء القتلة الدمويون)؛ وهذا ما أشار إليه البريطانيون في نقاشات مجلس الأمن، بمنتهى المباشرة والوضوح على لسان المندوب الدائم لهم حين قال: (داعش أنشأها الأسد من مجرمي القاعدة ممن كانوا في سجونه، أطلقهم، وعين قيادة لهم ومازال على اتصال بهم). قد تكون أجهزة استخبارات أخرى دخلت على الخط، واستثمرت داعش لتحقيق مكاسب سياسية تكتيكية، إلا أن المهمة الأولى، والإستراتيجية، كانت استهداف الإسلام وتشويه صورته، وهذا ما يتفق عليه بشار وكذلك الساسة الغربيون في أهدافهم خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر. فلا يمكن لأي متابع للأحداث الجارية اليوم ويربط بعضها ببعض بموضوعية، إلا وتثور في ذهنه علامات استفهام حول هذا اللغز المحير (داعش)؛ فهي تُقاتل في ذات الوقت في سوريا، وفي العراق، وفي سيناء مصر، وفي ليبيا، وفي اليمن، وتقوم بعمليات إرهابية انتحارية في البلاد المستقرة، كالمملكة والكويت وتونس، بنفس الوتيرة هنا وهناك، ثم لا تجد من يردعها، ويكبح جماحها من الدول الكبرى، وكأن لسان حالهم يقول: لم أمر بها ولم تسؤني؛ بالرغم من أن هذه القوى، وعلى رأسها أمريكا، أقوى قوة على وجه الأرض!! ومن يرصد التغيرات الثقافية على مستوى الرأي في العالم العربي ككل، ناهيك عن بقية العالم، يجد أن الإسلام كدين، بسبب جرائم هؤلاء الأوباش، بدأ يفقد بريقه فعلاً، وخبا كثير من ألقه، وحَمّله كثيرون عرب وغير عرب، ما حصل وما يزال يحصل من دماء ودمار كارثي اقترن بما كان يسمى (الربيع العربي)، وهذا هو غاية المطلوب، لنظام الأسد ومن تلكؤوا في مواجهته منذ البداية، إضافة إلى أن العرب وبعض المسلمين - سنة وشيعة - هم في الواقع متدينون مذهبيون، يحرض كل مذهب على المذهب الآخر، وكلا المذهبين يكنون عداوة عميقة للغرب الصليبي كما يصفونه، وأسقط في أيديهم حينما فشلوا في الربيع العربي بفعل المتأسلمون المسيسون، الذين كانوا في طلائع ثوراته، ثم فشلوا أكثر وأكثر وهم يرون أوروبا (الصليبية) كما كانوا يصفونها تفتح أبوابها لمن شردهم التطاحن المذهبي بين المسلمين، فيأوونهم، ويحسنون إليهم، ويكرمون وفادتهم؛ فطفق العرب وبعض المسلمين المغرر بهم من قبل أرباب الإسلام السياسي يتساءلون: هل هذا هو الغرب الذي كان يكيل له المتأسلمون كل هذه الكراهية والبغضاء؟.. كل ما أريد أن أقوله في هذه العجالة هو أن الإسلام اليوم، قد تشوهت صورته، واختزل كثير من شعوب الأرض صورته النمطية في صورة ذلك المجاهد الملتحي الأشعث الأغبر والشرس، الذي ينثر الخوف والهلع والدمار في كل مكان، بعد أن كان الإسلام أكثر الأديان التي تجتذب الشعوب، وبالذات في بلاد الغرب. إننا - أيها السادة - إذا لم نخلص دين الإسلام من براثن هذه الجراثيم المتأسلمة، وندعو إلى التسامح، وقبول الآخر، وعدم التدخل في قناعات الناس وأديانهم إلا بالدعوة والمجادلة بالحسنى، لا بالأحزمة الناسفة، والقتل والتدمير، كما تفعل القاعدة وداعش فإننا نُسهم مساهمة محورية، في ترسيخ هذه الصورة الدموية البشعة، والمغلوطة عن دين الإسلام. إلى اللقاء