لطالما رددت هاتان الكلمتان على مسامعنا في وسائل الاعلام العالمية، وخصوصا في فترة الصراع بين الاتحاد السوفيتي السابق، ومعسكره الاشتراكي والولايات المتحدة ومعسكرها او ما اصطلح على تسميته بالعالم الحر. وبعد احداث الحادي عشر من سبتمبر الارهابية الشهيرة، اطلت مصطلحات الصراع تلك برأسها من جديد، ولكن هذه المرة ليكون الخصم المفترض للعالم الحر هو العالم الاسلامي!! وبالرغم مما يبدو واضحا من نسبية الشرق والغرب في هذا الصراع، فقد صور ما حدث على انه يدخل تحت اطار الصراع الحضاري، والثقافي بين عالم حر متمدن، وعالم اسلامي متخلف، وعزز هذا بنظريات هاتنجتون ، حول صراع الحضارات، وعودة الروح اليها من جديد. وانبرت ثلة من المثقفين الغربيين الموتورين لتسن اقلامها او ربما سكاكينها لمهاجمة، وتقطيع كل ما هو عربي أو مسلم ، وصور العرب والمسلمون على انهم مجموعات من الرعاع المتخلفين، الذين يسعون لتدمير الحضارة الغربية، والعالم الحر، وكل ما يمت اليه بصلة متبعين اي وسيلة يرونها مناسبة مهما كانت قسوتها وخطورتها. ولهذا توالت الدعوات لتغيير ثقافي جذري في العالم الاسلامي يطال الانماط الثقافية السائدة والمناهج الدراسية، والنظم السياسية وذلك لاعتقاد بعض المفكرين الغربيين ان الثقافة العربية والاسلامية تساعد على نمو الافكار المتطرفة، وبالتالي ظهور الجماعات الارهابية. وقد قدم الكثير من الكتاب، والمفكرين الغربيين انفسهم على انهم خبراء في الثقافة العربية والاسلامية واخذوا يحللون، ويفسرون كل تصرف فردي او جماعي ، في هذا البلد الاسلامي او ذاك وفقا لقناعاتهم ، والتي في حقيقتها عبارة عن مجموعة من الاحكام المسبقة، والتي تسودها ضبابية الرؤية التاريخية، والجهل المعرفي بالدين الاسلامي، لترسم للمتلقي الغربي صورة قاتمة لثقافة الآخر العدواني، والذي لا يمكن الا ان يكون شريرا، ولاعبا لدور الشيطان دائما وبالتالي فان هذا الآخر يمثل خطا متوازيا مع العالم الحر لا يمكن الالتقاء معه في اي نقطة والامثلة على هذا العبث الفكري كثيرة ومن السهل جدا على اي شخص ملم ومتابع للاعلام الغربي بشكل عام ان يجدها بوفرة في وسائل الاعلام المسموعة او المقروءة. وفي هذا السياق اذكر ان كاتبا انجليزيا جعل لباس المرأة في الغرب سببا، وجيها ومقنعا للمسلمين للقيام بعمل ارهابي وذلك وفقا لمعطيات الثقافة العربية كما يدعي!! ولاشك ان صاحب هذه الفكرة يجهل الكثير عن تاريخ العالم، ولا يحمل في ذهنه غير صور المرارة والصراع. بل ان هناك من حاول العودة ألف سنة للوراء في تفسير ما يحدث اليوم من صراع، ففسروا ونظروا عن صلح الحديبية، وعما يسمونه بالتوسع الاسلامي نحو الغرب في شبه جزيرة ايبيريا او في وسط اوروبا، وجعلوا من هذا الموروث التاريخي سببا لاذكاء مشاعر الكراهية والعداء للآخر، وكأن تاريخ الانسانية لايوجد به غير الكراهية، والحروب. ان دعاة نظرية صراع الحضارات ينظرون الى الابعاد التاريخية على انها المحرك الاساسي للاحداث السياسية في كثير من الاحيان. ويرى بعضهم ان التفوق الحضاري الغربي يجعل من هذا التفوق سببا يدعو المسلمين لمعاداتهم لكونهم اصحاب حضارة سابقة كانت مسيطرة ومهيمنة على العالم. وبالرغم مما تدعيه تلك الاقلام من حيادية، ونزاهة ليست لها علاقة باحكام مسبقة حول المسلم وثقافته، الا ان الكثير مما تكتبه ، وتروج له يحمل في طياته صورا نمطية مسبقة تم تكوينها عبر وسائل الاعلام عبر اجيال من الكتاب، والصحفيين والمفكرين والفنانين، وتتلخص تلك الصورة النمطية في ان الاسلام في اصله دين يدعو الى العنف، وان العرب والمسلمين يتميزون بثقافة عنيفة، وضيقة الأفق، وان الحل الامثل لمعالجة ظاهرة الارهاب القادم من تلك البلدان هو تغيير تلك الثقافة، وان كان ذلك بالقسر. ان الحديث عن العنف على انه صناعة عربية او اسلامية حديث ممجوج، ويدعو للشفقة على هؤلاء البؤساء الذين يحاولون الصاق عللهم بالغير، فالارهاب ، والعنف يشكلان ظاهرة عالمية يمتد تاريخها في جميع انحاء العالم وضمن ذلك البلدان الغربية، بل ان شخصية الانسان الغربي تحمل الكثير من صور العنف في مناح شتى بدءا من لعب الاطفال التي تدعو للعنف في شكل ادوات الحرب، والدمار الى العنف العائلي الذي تسجله السلطات المختصة هناك ضد الاطفال، والنساء، وكبار السن بل ان العنف في الغرب اتخذ اشكالا منظمة وبشكل بشع في شكل حربين عالميتين، وحروب اخرى صغرى تم استخدام جميع اسلحة الدمار الشامل فيها ونتج عنها مقتل الملايين من البشر. ان استجلاب التاريخ لتفسير ظاهرة ما فيه الكثير من العسف، فمن وجهة نظر الشرق المسلم هناك الكثير من المظالم الكبيرة التي تعرض لها تبدأ بثلاث حملات صليبية ولا تنتهي بالاحتلال الصهيوني لفلسطين ، وبالتالي فان هذا لن يؤدي الا الى المزيد من اذكاء مشاعر الكراهية والانتقاص من الآخر، في وقت اصبح العالم اصغر مما نتصور، واصبح انتقال الافكار بأسرع ما يمكن، واصبح دعاة الصدام من الجانبين ابعد ما يمكن في افكارهم وتوجهاتهم، وذلك لان الوجه الانساني للانسان المسلم مغيب عن الانسان الغربي، والعكس صحيح، ولن يتم تجاوز الفجوة والجفوة الثقافية بين الجانبين الا باظهار الجوانب الانسانية في كلا الجانبين بعيدا عن الغلاة، ودعاة التعصب والصراع.