يؤكّد الخبراء والمختصّون أن دخول وسائل الاتصال الحديثة في حياة الأسر أسهمت وبشكل كبير في تنامي مشكلة «الابتزاز» وخاصة ما يتعلق بالفتيات، وذلك لأن الأسر ألغت الحواجز والسواتر بين الجنسين، وكذا سوء الاستخدام لبرامج التواصل الاجتماعي، مع ضعف الإيمان وغائبو الضمير باستغلالها لابتزاز الفتيات. وأكّدوا في أحاديثهم ل«الجزيرة» على الخطورة البالغة لتنامي قضية «الابتزاز»، وضرورة التصدّي لها من كل أطياف المجتمع، ووضع المعايير والضوابط لضبط الانفلات في برامج التواصل التقني للحد من تفاقم المشكلة وازديادها حتى أضحت تهدّد الأسرة وأفرادها. الابتزاز وأنواعه بدايةً يعرّف الشيخ عمر بن عبدالله السعدون كاتب العدل الباحث الشرعي عضو الجمعية الفقهية العلمية السعودية الابتزاز بأنّه القيام بالتهديد بكشف معلومات معينة عن شخص، أو فعل شيء لتدمير الشخص المهدَّد إن لم يقم الشخص المهدَّد بالاستجابة إلى بعض الطلبات، وهذه المعلومات تكون عادة محرجة أوذات طبيعة مدمرة اجتماعياً، وهي في الحقيقة فعل دنيء للغاية ولا يتوافق إطلاقاً مع الدين والخلق والمروءة، ومخالفة لوصية النبي صلى الله عليه وسلم بالستر على المسلمين بقوله: من ستر مسلماً ستره الله...، وقد نصّ نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية على تجريم استخدام الهاتف الجوال أو الوسائط أو البلوتوث بطريقة سيئة وأنها من الجرائم التي تعرض فاعلها إلى العقوبة التي تصل لسجن لمدة عام وغرامة لا تتجاوز خمسمائة ألف، كما أن النظام لا يفرق بين جنس المبتز ذكراً كان أو أنثى ولكنه ومن باب الستر يخفي أسماء الفتيات أثناء التحقيق ستراً على الفتاة، كما أن النظام لا يعاقب الطرفين بل يعاقب المبتز فقط. ويوضّح السعدون أنواع الابتزاز التي تختلف حسب السبب الذي دعا المبتز لعمل هذا الفعل المشين، فقد يكون بسبب رغبة المبتز بعلاقات محرمة فاستغل خطأ ما أو صورة أو موقفا للضحية؛ ليجعلها وسيلة ضغط ليحقق ما يريده من مأرب وقصد خبيث، وقد يكون السبب هو رغبة المبتز بالحصول على المال فيستغل أي خطأ من الضحية ليبتزه ماليا تحت التهديد، فكما نشر في بعض الصحف أن فتاة صرفت ما يقارب نصف مليون على شاب كان يبتزها بصورة لها لم تكن محتشمة بها وذلك على مدى ثلاثة أعوام. ولا شك أن هذين النوعين وما تفرع منهما موجودان في الابتزاز الالكتروني الذي بدأ يظهر مع كثرة ولع وانشغال الناس بالتقنية الحديثة والأجهزة الذكية مما سهل للناس توثيق صورهم في كل الأوقات والتواصل مع الجميع بكل سهولة مما سبب آثاراً سيئة على المراهقين وتواصلهم وسهولة خداعهم ووقوعهم في حبال المبتزين مما عرض بعض الفتيات إلى الاستجابة لضغوط المبتزين بدون خيارات، من خلال الضغط والتهديد، وهذه المشكلة لها أسبابها التربوية والنفسية والاجتماعية التي يجب أن تراعى، فغياب المربي من والدين وإخوة كبار وأساتذة عن الانتباه لهذا الخطر الموجود في بيوتنا ومدارسنا، ثم وجب مراعاة الجوانب النفسية من خلال المختصين وحرص المراهقين على تقليد ومتابعة غيرهم من أهل الفن وبعض المنحرفين خلال السناب شات وإنستقرام وأمثاله، وسهولة التواصل معهم. فلذلك يجب أن تكثف الدراسات القانونية والتربوية والاجتماعية والنفسية لمعالجة هذه المشكلة الاجتماعية التي بدأت تظهر للسطح بشكل مخيف وأحيانا تكون الضحية هي سبب الشراراة الأولى لفتح الباب لتسلط المبتز عليها وابتزازها بتساهل الفتيات لصورهن ومقاطع فيديو خاصة بهن مما يمكن المبتز من الضغط والابتزاز. كما أن الفتاة التي وقعت تحت الابتزاز يجب أن تكون قوية وألا تعالج الخطأ بخطأ أكبر منه، بل يجب أن تلجأ لوالديها لإخوانها لأخواتها لحل مشكلتها، علماً أن جهاز هيئة الأمر بالمعروف يقوم بدور جبّار لمعالجة الابتزاز والتعامل معه وفق سرّيّة تامة بمايحقق المصلحة العامة. جريمة مجتمع ويؤكّد الدكتور ممدوح بن رشيد العنزي رئيس قسم الأنظمة بجامعة الطائف أستاذ القانون الجنائي المشارك أن الابتزاز تحول اليوم مع التقدم والتطور التكنولوجي من ظاهرة إلى جريمة مؤرقة للفرد خاصة، والمجتمع عامة، وتعتبر مواقع التواصل الاجتماعي مرتعا خصبا للابتزاز من قبل ضعاف النفوس إذا ما استغلت الاستغلال السيئ من قبلهم، وبالرغم من أنها قربت البعيد وفي ضل الاعتماد المتزايد عليها أدّى إلى ظهور مشاكل فردية، واجتماعية، وأصبحت تلك المشاكل تمثل تهديداً لخصوصيات الأفراد، وحياتهم، ولا يخفى علينا ما للابتزاز من مساس بالكيان الإنساني، باعتبار أن الابتزاز جريمة تخدش حياء الإنسان مما يجعله يعيش صراعات داخلية ما بين ضغط، وتهديد يمارس عليه من قبل الجاني المبتز للخضوع لمطالبه مستخدماً عدة طرق منها التشهير به عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة، أو عن طريق المساس بحياته الخاصة. ويشير الدكتور ممدوح العنزي إلى أنّ جريمة الابتزاز من أكثر الجرائم التي أصبحت تثار في المجتمع، نتيجة لسهولة التواصل بين الجنسين، والتي ترتكب نتيجة للاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للفرد عن طريق الحصول على معلومات تخصّه إما عن طريق سرقة تلك المعلومات، أو الحصول عليها بعد كسب ثقة المجني عليه، ومن ثم القيام بتهديده بنشر تلك المعلومات سواء كانت صوره الشخصية، أو تسجيلاته الصوتية، أو ما يتعلق بحياته الخاصة، أو بعائلته، وتتنوع دوافع الابتزاز ما بين الدافع المادي والانتقامي وغير الأخلاقي إلا إنها تصب في الأخير إلى تحقيق الجاني مبتغاه، ونتيجة لخطورة جريمة الابتزاز على الفرد خاصة، والمجتمع عامة، ولما تمثله من اعتداء على مبادئ وقيم أفراد المجتمع، تدخل المنظم السعودي وأصدر نظام مكافحة جرائم المعلوماتية وجرم الابتزاز في المادة (3/2) حيث عاقب بالسجن مدة لاتزيد على سنة وبغرامة لاتزيد على خمسمائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يقوم بتهديد شخص آخر أو ابتزازه؛ لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه ولو كان القيام بهذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعا؛ وقد أكد على ذلك قرار وزير الداخلية رقم (2000) وتاريخ 10/6/1435ه على أن جرائم الابتزاز، وانتهاك الأعراض بالتصوير، أو النشر، أو التهديد بالنشر، من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، وبالرغم من أن نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية السعودي نصّ على تجريم الابتزاز إلا إنه في نظرنا غيركافٍ لاعتبار أنّ الحاجة ما زالت ماسة لصدور نظام خاص لكي يكون الردع بشقيه العام والخاص ذا فاعلية أكبر، باعتبار أن تعميم وزير الداخلية اعتبر الابتزاز من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، وأخيراً فإنه لابد من تعاون كل من مؤسسات التعليم, ودور العبادة من ناحية إقامة الندوات لمواجهة خطر الابتزاز على أفراد المجتمع وإدخاله عبر مقرر التربية الوطنية، ومقررات الثقافة الإسلامية، بالإضافة إلى وضع مكاتب تتّصف بطابع السّرّيّة في الجامعات، والمدارس، وأن يعين عليها أخصائيون اجتماعيون تكون مهمتهم التواصل مع كل شخص تعرض للابتزاز وما زال يتعرض له ذكراً كان أم أنثى وبعد ذلك يتم تواصل تلك المكاتب مع الجهات المختصة بصفة سرّيّة. فساد خلقي ويتّفق الدكتور يوسف بن محمد المهوس الأمين العام للجمعية العلمية القضائية السعودية «قضاء» المدعي العام بهيئة التحقيق والادعاء العام سابقاً مع آراء المشاركين من أن جريمة الابتزاز سواءً من الشباب أو الفتيات فيما بينهم، تنطوي على اعتداء على بعض الضروريات الخمس التي جاءت كل ملة بالمحافظة عليها ورعايتها وصيانتها فهي اعتداء على الدين والعرض بما احتوته من فساد خلقي واجتماعي، واعتداء على على المال في كثير من قضايا الابتزاز، ولذلك تم إدراج قضايا الابتزاز من ضمن القضايا الكبيرة الموجبة للتوقيف لدى الجهات الأمنية والقضائية، ولذلك تتعامل جهات الضبط الجنائي ومحققو هيئة التحقيق والإدعاء العام مع هذه الجريمة بقدركبير من الاهتمام للوصول إلى أدلة قوية يواجه بها المتهم تحمله على الاعتراف بجريمته ليلاقي العقوبة الرادعة له والزاجرة لغيره، ومن الأشياء المهمة التي يجب أن يعيها الشاب أوالفتاة بأن العقوبات بشأن جرائم الابتزاز مشددة، وقد لايتوقعها المبتز أو المبتزة، ومنها مثلاً فإن مطالبة المدعي العام في لائحة الدعوى العامة التي يقدمها للمحكمة، في الغالب بأنها تشتمل على أحد هذه الطلبات: أ- طلب غير مقنن (التعزير) وهذا يعود تقديره لنظر القاضي للأدلة وملابسات القضية . ب- طلب مقنن (بموجب نظام الجرائم المعلوماتية) والتي نصّت المادة الثالثة: (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص يرتكب أيا من الجرائم الابتزازيّة المعلوماتية الآتية: الدخول غير المشروع لتهديد شخص أو ابتزازه، لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، ولو كان القيام بهذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعاً، المساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها، التشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم، عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة. خطورة التقنية ويكشف الدكتور عبدالله بن عبيد النفيعي أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف أن كثيرا من الدراسات العلمية على خطورة وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في زيادة جريمة الابتزاز ضد الفتيات، وتعتبر هذه الجريمة من الجرائم الكبيرة لمساسها لمقصد مهم من مقاصد الشريعة، وضرورة من الضرورات الخمس وهو صيانة العرض. فالاعتداء هذا المقصد يعد أمراً خطيراً يمس مصالح الدين والدنيا ولابد أن يواجه بكل حزمٍ وصرامة. وتكمن خطورة وسائل التواصل الاجتماعي في سهولة تداولها بين الصغار والأطفال الذين قد يقع منهم تصوير كل ما في المنزل مما لايسمح بتصويره وإخراجه للآخرين، وكذا عدم وجود ثقافة لدى الفتيات في التعامل مع هذه التقنية في الانجراف وراء صاحبات السوء من خلال التقليد الأعمى في وضع الأمور الخصوصية متاحة للجميع من خلال تبادلها في شكل رسائل، أوفي صور العرض في الفيس بوك والواتس أب وتوتير وغير ذلك، أو الأخذ بمبدأ حسن النيّة والثقة في محلات صيانة الجوال في تفتيشها أثناء الإصلاح كما أن من الأمور الخطيرة تبادل الرسائل الغرامية بين الجنسين والدخول في مواقع خادشه للحياء، واستخدام وسائل التواصل لغير الأمور المفيدة كالمحادثات مع الشباب بشتى وسائل التواصل التي تزيد يوماً بعد يوم مما جعل اصطياد الفتيات من ضعاف النفوس سهل المنال. أما المعايير والضوابط التي تحد من الانفلات التقني، فيمكن اختصارها في التالي: - دور النواة الأولى وهي الأسرة في رعاية الأبناء وتربيتهم التربية الدينية الصحيحة بحيث تخلق سداً منيعاً، ودرعاً واقياً، وحصناً حصيناً في مواجهة مثل هذه الأمور. - تكاتف المجتمع بجميع مؤسساته وجهاته في زيادة وعي الفتيات في خطورة مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال حملات توعوية وتثقيفية. - تقنين وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الجهات الرسمية. - أن تقوم الجهات المسؤولة ببذل قصارى جهدها في إغلاق جميع المواقع المشبوهة أمنياً وخلقياً. - التعاون مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإبلاغ عن حالات الابتزاز وإمدادهم بكل ما فيه صالح للعباد والبلاد. - تشديد العقوبة ضد المبتزين وذلك نظراً لكثرتها وانتشارها وخطورتها. - عقد ورش عمل للفتيات توضح لهم عملياً كيفية التعامل مع الابتزاز حالة وقوعه وكيفية التصرف الصحيح الواجب اتخاذه.