تعد الميزانية العامة للدولة على أساس مبدأ محاسبي رقابي باعتماد الفصول والأبواب والبنود أي أن يكون الباب الأول للرواتب والمكافآت وما في حكمها والثاني للتأثيث وما في حكمه والثالث للصيانة والتشغيل والباب الرابع للمشاريع وهي تختلف عن الأساليب الأخرى التنموية مثل ميزانية البرامج والمشاريع PPB وميزانية الأداء PERFORMANCE والميزانيات المختلطة من هذه النماذج ولذا فهي سهلة الإعداد والرقابة والمحاسبية ومريحة لوزارة المالية التي تطلب من الوزارات ملء نماذج معينة ثم جمعها في ميزانية موحّدة بعد الحذف والتعديل ولكن في حالة الخفض لطوارئ تذبذب الدخل والطوارئ المالية من الصعب حذف مبالغ كبيرة دون التأثير غير العادل على الجوانب الأخرى من الإنفاق. وحيث إن الميزانية العامة هي إحدى أدوات السياسة المالية لتفعيل الاقتصاد الوطني مثلها مثل السياسة النقدية أو التجارية فيجب أن تتسم بالمرونة والعدالة عند الزيادة أو محاولة الخفض بدون أضرار اقتصادية غير مبررة أو غير عادلة، حيث لجأت الدولة في السابق إلى خفض عشوائي مثلاً بنسبة 10% أو أكثر أو أقل عند مجابهة ظروف طارئة وسبب ذلك هو اعتماد ميزانية البنود والأبواب بينما هناك نماذج أخرى تنموية وتتسم بالمرونة وسهولة التحكم في الإنفاق والخفض العادل عند الضرورة، حيث إن الميزانية الحالية عند فرض خفض بنسبة معينة قد يضر قطاعاً على حساب آخر أو وزارة على حساب أخرى لأن النسبة التي تفرض على الجميع نتائجها ليست النتائج المستوخاة بعكس أسلوب إعداد ميزانية أخرى مثل ميزانية البرامج والمشاريع PPB فإنك بسهولة تستطيع إلغاء برنامج معين له أولوية متدنية بكامل بنوده دفعة واحدة دون التأثير على بقية البرامج أو المشاريع، حيث يعتمد ذلك كحزمة واحدة بينما في الأسلوب الحالي في ميزانية الأبواب والبنود فإنه من الصعب تحديد ذلك بدقة، حيث المشروع الواحد أو البرنامج الواحد توزع تكاليفه على عدة أبواب وبنود ويتشارك الكثير من البرامج والمشاريع في البنود الخاصة بالوظائف أو الخاصة بالتشغيل أو الصيانة ومن الصعب فصلها وتفصيلها لتعطي الأثر المطلوب، فنحن نلاحظ حالياً في الأسلوب المتبع أن مشروع ما قد يعتمد له جزء ويسقط جزء عن بند آخر قد يكون سهواً أو عمداً فيتأخر المشروع وتلام الوزارة المعنية عن تعثر المشروع بينما الوزير والوزارة لا ذنب لهم وقد يعتمد مشروع ولا تعتمد له وظائف أو لا تعتمد أرض أو صيانة لأن تكاليف ذلك مبعثرة في بنود متعددة ويشترك فيها مشاريع وبرامج أخرى ربما يكون الوقت مناسباً الآن لإعادة النظر في أسلوب إعداد وتنفيذ الميزانية العامة للدولة على أساس البرامج والمشاريع بدلاً من الأسلوب الحالي وذلك لتسريع التنمية وسهولة إدارة السياسة المالية لرفع وتيرة النمو أو تهدئته بدون أضرار جانبية.. صحيح أن ميزانية البرامج والمشاريع تتطلب مهارات ومهنية عالية في الإعداد والتنفيذ ولكنها تسرّع التنمية لأن المشرع أو البرنامج يعتمد دفعة متكاملة جاهزاً للتنفيذ أو يلغي دفعة واحدة بدون تأثير مباشر على البرامج والمشاريع الأخرى كذلك فإن لدينا الآن من الكفاءات المدربة الأعداد الكافية من الشباب المؤهل ما يفي بالحاجة وأن الركون إلى الأهل والأبسط لم يعد مناسباً وربما أن الأوان للتغيّر والتجربة كما فعلت دول كثيرة طبّقت هذا النموذج أو ذاك وأن الخوف من التغيير أحياناً أكثر ضرراً من عدم التغيير والجمود على ما كان يتم سابقاً أنني هنا أكرر دعوتي السابقة في (الجزيرة) الغراء في عدة مقالات آملاً أن يكون فيها ما يساعد على حسن تنفيذ الميزانية والأموال كافية ولله الحمد لو أحسن استغلالها في مثل هذه الخطوات، سائلاً المولى لوطني الحبيب وقيادته الرشيدة التوفيق والسداد.