حدثت هذه الحكاية بكل تفاصيلها عندما كان الناس في السابق ينتقلون من الخبر إلى البحرين، عن طريق قوارب شراعية. وفي إحدى تلك الرحلات، حبل القارب بحوالي عشرين شخصا جلس ثلاثة منهم جنبا إلى جنب. أخذوا يتبادلون أطراف الحديث لتمضية الوقت. في زاوية جلس ثلاثة أشخاص، أحدهم ارتدى بشتا فاخرا ونعاله بها خيوط من ذهب، آخر وقورا، ممسكا بمسباح ويتحدث عن العلم أما الأخير فذو ملابس بسيطة وابتسامة ابسط. تحدث الثري بفخر وبابتسامة كبيرة ككيس المال الذي يحمله: الحياة مكاسب ومرابح وتجارب، من لا يخسر لا يكسب، من لا يغامر لا ينال الملذات وبالتجارة تعيش عمرك وعمر أبناؤك وأحفادك. بينما تحدث الوقور: بل العلم هو أساس الحياة الصحيحة وبالعلم تنمو البلاد والعقول وعلم ينتفع به يمتد إلى أجيال وبلاد أخرى. ظل البسيط صامتا منبهرا فتساءل الغني: هل لديك تجارة؟ فرد بكل بساطة: لا فأنا على باب الله. فقهقه الغني بقوة وقال: ضيعت نصف عمرك.. وهنا انبرى الوقور مخاطبا البسيط قائلا: .. لعلك ذا علم؟ فرد بعفوية: لم أملك الوقت الكافي، لأدرس فأنا صائد أسماك بسيط منذ نعومة أظفاري. فأشاح الوقور بوجه نحو الغني وعلق حزينا: إذا ضاع أغلب عمرك يا صياد السمك. مرت ساعة وهم على المركب في رحلتهم القصيرة في خضم البحر ولاحت جزيرة البحرين في الأفق، فجأة هبت عاصفة هوجاء, صفعتهم الرياح على وجههم وقطرات مطر استحالت إبرا تثقب وجوههم، علا الصراخ وحوقل بعضهم واصفرت الوجوه وتمايل القارب كجسد راقصة مخمورة. شد البحارة الحبال وأرخو الأشرعة لكن الأمواج غالبتهم وقلبت القارب وهوى الجميع في البحر. الغني والبسيط والوقور في وسط الأمواج وهي تتلاعب بهم كالمهرج بالكرات الملونة. خاطبهم وهم يصارعون الغرق: هل تجيدون السباحة؟ فرد الغني والوقور بالنفي فقال لهم وهو يسبح بعيدا ضاربا الأمواج بذراعيه القويتين: إذا ضاع عمركم كله!! تلاشت كلماته في الهواء والأمواج تبتلعهم الواحد تلو الآخر عدا القلة اليسيرة الذين أجادوا السباحة ونجوا من الغرق.