«تتجلى جماليات القصيدة القصيرة في كونها تسعى دائما إلى تقديم الرؤية الشعرية للشاعر عبر التركيز على آليات الكثافة، والتجريد، والمفارقة، وهي آليات تشف عن قدرة شعرية تنفذ إلى جواهر الكلمات، وإلى ترويض اللغة عن كثافتها وعرامتها معا، بمعنى أننا لن نتوقف آنئذ عند إطناب أو استطراد شعري قدر ما نعثر على كلمات ممتزجة ببعضها البعض في سياقات محكومة مركزة. ومن طبيعة هذه الجماليات أن تقدم النتاج الشعري وفق حالة تعبيرية محددة، تتمثل في إيلاء الوعي القارئ قدراً من التحفيز لمعايشة النص، والسكنى المتأملة في أسطره وكلماته، لأن هذه الأسطر والكلمات تكون مشحونة بطاقة شعرية مكثفة، ربما تحمل قدراً من الترميز، أو قدراً من الإشارة، في لغة تفترق قليلاً أو كثيراً عما تقدمه القصيدة الشعرية الطويلة التي تؤثر التفصيل، وتوسيع المدارك الدلالية والمرجعيات الجمالية للقصيدة، بحيث من الممكن أن تشير إلى ماضيها الإبداعي، وصلاً أو قطعاً، أو تعيد إنتاج بعض الملامح والخواص البارزة في الشعرية العربية سواء كانت قديمة تليدة أم معاصرة متجددة. وينطوي الكتاب على ثلاثة فصول تتجه إلى مقاربة بنية القصيدة القصيرة في شعر د. عبدالعزيز خوجة، ووصف تجلياتها الجمالية، وقد جاء الفصل الأول بعنوان: خواص البنية القصيرة، وفيه تبيان لأبرز السمات الفنية والجمالية التي تتمظهر في البنية القصيرة مثل التكثيف، وبنية الحذف وشفرة الختام. وحمل الفصل الثاني عنوان: الإيقاع والتكثيف الدلالي، وقد سعيت فيه للبحث عن أثر الإيقاع في تشكيل كثافة النص الشعري القصير، وكيف استثمر الشاعر البحور الصافية والتفعيلات القصيرة في إنتاج نصوصه الشعرية. أما الفصل الثالث فقد جاء تحت عنوان: تشكيلات المعنى، حيث وقفت فيه على أبرز الدلالات الشعرية لدى الشاعر، والكتابة عن الحب، والوطن، والسفر، والمكان، والجمال، والتأمل في الكون، وفي الذات الشاعرة، والنفس الإنسانية بوجه عام. إن شعر د. عبدالعزيز خوجة يحمل قدراً من الرؤية الشاقة التي تعبر عن الوهج الإنساني حيال العالم، وقد آثر أن تكون تجربته الشعرية جمالية روحية، تسمق إلى البحث عن هذا الوهج الذي يتبدى في العاطفة والحب والتعبير عن حالات السفر والحنين والتأمل في الكون والأشياء، ووصف آيات الله تعالى الكونية بما فيها من جمال وجلال، في لغة مكنوزة بالدلالة ومشحونة بالطاقات الاستعارية والكنائية والبديعية، في نموذج تخييلي له وقعه على الوجدان، وله أثره على الوعي الإنساني المخايل الشفيف».