جاءت زيارة ولي ولي العهد إلى العاصمة الفرنسية باريس ضمن وفد اقتصادي رفيع المستوى لتعكس عاملين الأول إن المملكة تعمل على تنويع علاقاتها الدولية، والأمر الآخر إن باريس تعتبر شريكاً إستراتيجياً وسياسياً واقتصادياً للمملكة، وأن هناك مصالح متبادلة، ووجهات نظر متوافقة حيال العديد من القضايا الدولية والإقليمية، وعليه فإن الزيارة هذه المرة هي تأكيد سعودي فرنسي على ما وصلت إليه العلاقة من تقارب وتجانس. لقد أخذت الزيارة لفرنسا بعداً آخر بعد الزيارة الناجحة إلى روسيا، وكيف إذا كان متوقعاً ضمن مشروعات تنويع العلاقات زيارة ألمانيا والهند والصين، فالمملكة تحتاج إلى الاستثمار في التقنية والطاقة النووية السلمية، والعسكرية والبحرية، والنقل والطيران، والأقمار الفضائية، لذا فتنوع التبادل التجاري والاقتصادي والتقني بين السعودية والدول المتقدمة، سينعكس إيجاباً على اقتصاد المملكة، لأن السعودية تمثل عامل استقرار سياسي واقتصادي في المنطقة. تعتبر فرنسا شريكاً هاماً للمملكة، وتحتل المرتبة الثالثة للدول المستثمرة في السعودية، والشريك التجاري السابع عالمياً، حيث تضاعف حجم التبادلات التجارية بين الرياضوباريس، ليزيد عن 14 مليار يورو في عام 2014م، كله يستثمر في القطاعات الصناعية والاقتصادية، والطاقة والبتروكيماويات، والصحة، والتعليم والإسكان، وتحلية وتوزيع المياه، وتم توقيع خلال الزيارة اتفاقيات مع فرنسا بمبلغ 12 مليار دولار على شكل مبيعات أسلحة بما في ذلك طائرات مروحية وسفن حربية. لقد كانت زيارة سمو الأمير محمد بن سلمان لفرنسا في توقيت مهم جداً لما تشهده المنطقة من تطورات كبيرة ومشاكل عالقة, وتدل على تعزيز العلاقات بين فرنسا والمملكة على المستوى الإستراتيجي والسياسي والاقتصادي، وكذلك على المستوى الصناعي، حيث تعد المملكة الشريك الأول التجاري لفرنسا في منطقة الخليج، فهذه الزيارة تصب في إطار العلاقات المتميزة بين البلدين، وتأتي امتداداً للعلاقات التاريخية المتينة بين الرياضوباريس. ونعتقد أن هذه الزيارة غاية في الأهمية، لكونها تأتي من الرجل الثالث في المملكة، كما أنها جاءت بعد زيارة الرئيس الفرنسي للرياض ومشاركته في القمة الخليجية، وتعتبر هذه الزيارة امتداداً لزيارة موسكو في سبيل تنويع مصادر الطاقة والتسليح، وفتح المجال لعلاقات حليفة وصديقة وتحالفات دولية تخدم مصالح المملكة، والدول الصديقة المحبة للسلام، وأتوقع أن تسهم في حل المشكلات العالقة، والشائكة التي تواجه منطقة الشرق الأوسط والعالم. تطرقت الزيارة إلى العديد من الملفات الإقليمية والدولية، مع تركيز سموه على الأزمة اليمنية ودعم فرنسا للمملكة في الأممالمتحدة، إلى جانب موقفها الصلب والصارم من الملف النووي الإيراني، وتفعيل وتطوير التعاون في مختلف المجالات مثل دعم ومساندة المؤسسات المشتركة ومجلس الأعمال السعودي الفرنسي، وإيجاد آليات يُمكن أن تُسهم في تفعيل القضايا الإستراتيجية والاقتصادية، والتجارية والاستثمار في التقنية والمعرفة والطاقة والنفط. كما أن الزيارة تعتبر إحدى ثمار حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- كونها تركز على تنويع الاقتصاد السعودي غير النفطي وهو طلب مهم جداً, وكذلك تطوير قاعدة الصناعة غير النفطية, وأيضاً توسيع الصادرات، واستحداث الوظائف للمواطنين، ولا ننسى في هذا السياق الجهود التي تبذلها سفارة خادم الحرمين الشريفين في باريس، وجميع العاملين في فيها لما قاموا به من جهود اتصاليه بالمجتمع الفرنسي. إننا متفائلون جداً بهذه الزيارة والاتفاقيات التي تمت بين المملكة وفرنسا، والدور المتميز الذي يلعبه سمو الأمير محمد بن سلمان في تمثيل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-حفظه الله- خصوصاً في مجال مباحثات الطاقة النووية، والتوجه إلى بناء مفاعلات نووية في السعودية، لأن المملكة ستشهد نقلة نوعية في مجال الطاقة النووية والمفاعلات الذرية بعد إبرام هذه الاتفاقيات، وخاصة في دعم استخدام الطاقة الكهربائية بشكل كبير، وإنشاء مفاعلات نووية سلمية تخدم الوطن والمواطن.