في اللحظة التي بات فيها الفقد يهدده.. وقف أمام المرآة والدموع تتقاطر من عينيه مُثقلة بمشاعر الخوف والقلق الداخلي العميق الذي يضجّ في أعماقه.. يربكها.. يزلزلها.. ويضربها كالإعصار الجارف. تأمل وجهه.. وشعر بالضعف، والضآلة.. شفتاه الجافتان والمرتعشتان كروحه الهائمة.. تهدد توازنه.. عيناه الشاخصتان.. وحدقتاه اللتان يسكنهما الخوف والفزع، ويخرج منهما الشوك.. تنفتحان نحو الهاوية السحيقة.. إنه يغرق.. يغرق.. في بئر من الظلام.. في كابوس أسود.. وأيادٍ تمتدُ نحوه.. تشدّه.. إلى المزيد من الغرق.. المزيد من الظلام..! لم يسبق له أن رأى وجهه بهذا الشحوب.. لم يسبق له أن شعر من قبل بهذا الخوف المهيب.. لم يسبق له أن تحسسّ معالم هذا الكهف الغائر.. هذا الفم الفاغر.. هذا الفراغ الكبير.. الذي يريد أن يبتلع أي شيء في سبيل البقاء متوازناً على هذه الأرض.. في سبيل أن يرسي دعامة قدميه التي يخشى أن يفقدهما فجأة.. ويعلق ما بين وبين.. تبدو هذه الفكرة (البرزخية) مُرعبة وطاغية.. وحشٌ جريح يعوي في أعماقه.. يتأهبُ للخروج.. يكاد قلبه يتوقف من شدّة الخوف والهلع.. لم يعد يشعر بقدميه.. خرّ على الأرض متكوماً على نفسه والدموع تطفح من عينيه.. يبحث عن خيط أو حبل سريّ.. يريد أن يشعر بالأمان.. يريد ضمانة أكيدة.. ضمانة وحيدة.. جمرات العجز تشعل في دمه الحرائق.. يتلوّى من فرط إحساسه المتفاقم بفقد السيطرة.. يا له من وهم كبير.. احتراق كبير.. مجزرة كبيرة! «يا إلهي.. ماذا فعلت..؟! هل أخطأت في حقك..؟! سامحني.. سامحني.. أنا أشعر بالخوف..! لا أريد أن أخسر شيئاً.. لا أريد أن أفقد أحداً.. فلا تعاقبني أرجوك إن حدث وأخطأت.. أرجوك يا إلهي أرجوك.. لا تعاقبني بالخسارة.. بالفقد.. أرجوك.. سامحني»!!